رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل نهرب من مرسى إلى مرسى آخر!


كان أخطر ما قام به د. محمد مرسى هو إصداره للإعلان الدستورى فى نوفمبر الماضى والذى حصن فيه قراراته، ورغم أنه تظاهر فيما بعد بأنه قد ألغى هذا الإعلان إلا أنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن رسخ قراراته

أكتب هذا المقال والناس فى مصر، وربما فى العالم، تنتظر بيانا من القيادة العامة للقوات المسلحة توضح ماذا يجرى فى استجابة لمطالب الجماهير ولنقل انتظارا لما يعتبرونه رحيل مرسى ونظامه، ورغم اقتناعى بأنه لا مجال لحل لا يشتمل على خروج دكتور محمد مرسى الذى تولى رئاسة الجمهورية لمدة عام وتغيير نظامه. وأتذكر أننى كنت أنبه إلى نقاط الضعف التى شابت الحراك الشعبى فى يناير 2011 والتى تركزت فى غياب القيادة وعدم وجود برنامج، والاعتماد على جهود فردية غير منظمة، وأخيرا غياب فلسفة واضحة للحراك، خاصة أننى أؤمن أن الثورة يجب أن يكون لها مضمون اجتماعى واضح بإجراء تغييرات جذرية للطبقات الدنيا، على نحو مافعلته ثورة يوليو 1952 حينما أصدرت قانون الإصلاح الزراعى بعد شهر ونصف الشهر من يوم الثورة. وقد اعتبرت أن قيام حراك ثورى دون تنظيم يهدى هذا الحراك يسمح لعناصر متسلقة بتوجيه الأمور فى غير صالح الأغلبية، هذا بالإضافة إلى أن التنظيم هو المكان الصحيح لوضع البرامج الثورية.

منذ عدة أشهر كتبت بأن التغيير أصبح حتميا نتيجة لفشل إدارة الدكتور مرسى فى إدارة شئون الدولة والحفاظ على الأمن القومى المصرى، ليس هذا فقط، بل هذه الإدارة غير قادرة على التعلم من أخطائها بحيث أصبحنا نواجه بتكرار الخطأ وأننا سنواجه بتكرار الأخطاء عدة مرات. وكانت هذه الأخطاء بدأت فى حقيقتها مع أولى خطوات الدكتور محمد مرسى فى ميدان الرئاسة حينما وقف فى ميدان التحرير يحاول أن يتملص من أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية، وحيث حاول مرة أخرى يتملص من أدائها امام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا. كما حاول أن يقلل من أهمية المحكمة بتكرار اليمين فى جامعة القاهرة.

ولقد استمر سلوك الدكتور محمد مرسى وفشله فى إدارة شئون الدولة، لكنه استغل فرصة حادث رفح الذى راح ضحيته ستة عشر ضابطا وجنديا من القوات المسلحة لكى يتخلص من الإعلان الدستورى المكمل ومن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بينما شهدت هذه القضية بالذات تدخل رئاسة الجمهورية فى قضية أمنية حيث أدارت حوارا مع بعض العناصر الإرهابية وفشلت فشلا ذريعا ما زالت تواصله حتى الآن، حيث قامت بدور غريب فى قضية الجنود المختطفين فى الشيخ زويد حيث طالب بألا تراق دماء، وكان هذا شرطا مسبقا غريبا فى كيفية الوصول إلى حل مع عصابات إرهابية إجرامية وها نحن لم نصل حتى الآن إلى القبض على الخاطفين. وللأسف فإن التنظيمات السياسية المتمثلة فى الأحزاب السياسية والحركات الاحتجاجية لم تستغل الفرصة لإعادة تنظيم نفسها وربما تنافست على مواقع القيادة قبل أن تكون هناك عربة يمكن قيادتها.

كان أخطر ما قام به د. محمد مرسى هو إصداره للإعلان الدستورى فى نوفمبر الماضى والذى حصن فيه قراراته، ورغم أنه تظاهر فيما بعد بأنه قد ألغى هذا الإعلان إلا أنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن رسخ قراراته، خاصة تلك الخاصة بالدستور واللجنة التأسيسية، كما رعى حصار المحكمة الدستورية العليا، وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، كما غض الطرف عن تصرفات وزراء الإعلام والثقافة . إلا أن أغرب ما بدا فى قرار الإعلان الدستورى هو أنه صدر دون إطلاع أواستشارة نائب رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه ودون استشارة مستشاريه مما كشف أسلوب رئيس الجمهورية فى اتخاذ القرار والذى يتجاهل أبسط قواعد صنع واتخاذ القرار. وقد كان صدور الدستور الذى جرى سلقه فى جلسة متصلة وبأسلوب تآمرى إحدى النتائج الخطيرة لهذا الإعلان وهو دستور اشتمل على بعض المواد المهمة والجيدة، ولكنه اشتمل أيضا على مواد متصادمة مع العصر، هذا بالإضافة إلى أنه جرى إقراره عل نحو غير توافقى بحيث حصل، وفقا لما صدر عن لجنة الانتخابات، على نحو ثلثى الأصوات الصحيحة وهى نسبة قد تكون مناسبة فى انتخابات تشريعية أو رئاسية لكنها لا تصلح لدستور يحكم البلاد لعشرات السنين. ومرة أخرى فقد كان غياب التنظيم والبرنامج سببا فى الارتجالية وتحكم جماعة وحلفائها فى الدستور، وأصبح قيدا على الإرادة الشعبية.

كان من الواضح فى أسلوب إدارة البلاد أن الرئيس وجماعته لا يعترفون بخطئهم فى إدارة شئون البلاد وأنهم لم يتعلموا من أخطائهم، بل ولا ينتظر أن يتعلموا فى المستقبل، وقد صبر الشعب على الأخطاء ونتائجها، ولكنه عبر بوسائله عن عدم رضاه، وهى الوسائل التى جعلت الدكتور محمد مرسى يعتبرها من الفلول والدولة العميقة وعناصر أخرى، لكن الدكتور مرسى لم يعترف أبدا بأنه كان السبب، رغم اعترافه بأنه ارتكب أخطاء، ولكنه عممها ليستفيد بفوائد الاعتراف دون تحمل نتائجه.

كانت أخطاء الإدارة أكثر من أن تحصى ولكن بعضها كان فاحشا وفاضحا، وربما يتذكر الكثيرون المؤتمر الذى أذيع على الهواء للرئيس وبعض من اعتاد الحوار معهم ليدعى أنه يفتح قلبه للحوار مع الجميع، فأبسط قواعد الإدارة تقول بأنه يجب أن يكون هناك قرار بما إذا كان المؤتمر مفتوحا ومذاعا على الجمهور ، وأن يكون القرار معروفا لكل الحاضرين، وهو ما لم يحدث وتحدث البعض بما يمكن وصفه بأنهم «يهبلون» وهكذا عرى هذا المؤتمر الإدارة وحلفاءها أمام ليس الشعب كله فقط، بل وفضحنا أمام العالم بما جعلنى أسميه «المؤتمر الفضيحة».

كان هذا قليل من كثير أدى إلى موقف 30 يونيو، وأعترف بأنى لم أتوقع أن كل هذا العدد ينزل إلى الشارع، حيث كان الكثيرون يطالبون القوات المسلحة بأن تقوم هى بالعملية نيابة عنها، وحرر بعضهم توكيلات لوزير الدفاع حتى يتحرك ويخلصهم من هذا الوباء ، لكن القوات المسلحة انتظرت لحين ما كشف الشعب عن انحيازاته يوم 30 يونيو، وهكذا قررت القوات المسلحة أن تنضم إلى الشعب كما عودتنا على طول التاريخ.

يبقى أن الوضع الآن هو ما أسميه عصر ما بعد مرسى، ولا أخفى قلقى عليه، فقد كان ضروريا أن يجرى تغيير الإدارة السابقة ولكن هذا لا يكفى لضمان عدم تكرار التجربة الفاشلة، كما أنه لا يكفى لبناء المستقبل، ووضع خططه وقواعده، ولكى نحقق ما سبق يجب أن نعود إلى ما افتقدناه فى الفترة السابقة وهو القيادة والتنظيم والبرامج والفلسفة. إن استمرار الوضع على ما هو عليه يعنى أن نظل بلا خطة بعيدة المدى، وأن نكون صيدا سهلا للأعداء والمنافسين، فى حين أن التنظيم يجعل اختراقنا صعبا، ويقلل من احتمالات أخطائنا. وعلينا أن نضمن ألا نفاجأ بعد فترة بأننا قد هربنا من مرسى إلى مرسى آخر