رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النبى يرفع الروح المعنوية للصحابة «1-2»


بعد أن أجلَى النبى، صلى الله عليه وسلم، يهود بنى النضير من المدينة، خرجوا يتقدمهم حيى بن أخطب إلى «خيبر»، التى كانت تجمعًا لليهود، بها كل حصونهم، وكانت قوة عسكرية واقتصادية تشكل تهديدًا للمدينة، فمنها خرج وفد من اليهود لتحريض القبائل العربية على قتال المسلمين فى غزوة الخندق، وهم الذين شجعوا بنى قريظة على خيانة العهد.
تحرك النبى نحوها بعد شهر واحد من صلح الحديبية مع قريش، وذلك فى شهر المحرم من السنة ٧ هجرية، أى بعد عامين من الغزوة، فلم يكن يريد أن يفتح على نفسه عدة جبهات فى نفس الوقت، فلما عقد صلح الحديبية وأمَّن قريش، تفرغ ليهود خيبر. وكان عدد الجيش ١٤٠٠ مقاتل و٢٠٠ فرس، وذلك للمرة الأولى.
وخيبر هى مدينة كبيرة، ذات حصون ومزارع، وتقع على بعد ٨٠ ميلًا من المدينة من جهة الشمال «نحو ١٠٠ كيلو»، وكان يوجد فيها حوالى ٧ حصون، بها من الطعام والشراب ما يكفيهم سنة كاملة، حتى الماء كانت لهم آبار داخل الحصون، وآبار خارجها موصلة للحصون بقنوات تحت الأرض، وعدد المقاتلين داخل الحصون ١٠ آلاف مقاتل مدججين بالسلاح.
كان لأبى الشحم، اليهودى، خمسة دراهم عند عبدالله بن أبى حدرة الأنصارى، واشترط أن يسدد دينه على الرغم من عدم حلول موعده، قال له: لن تخرج حتى تدفع لى دراهمى، فقال: أمهلنى حتى أخرج خيبر فنفتحها ونأخذ الغنائم فأعطيك حقك فإن الله قد وعد نبيه أن يغنمه خيبر.
قال أبوالشحم: أتحسبون أن قتال خيابر مثل ما تلقون من الأعراب؟ فيها: والتوراة عشرة آلاف مقاتل، فترافعا إلى النبى، فقال: أعطه حقه، فقال عبدالله: والذى بعثك بالحق ما أملك شيئًا، فقال الرسول: أعطه حقه أو لا تخرج.
يقول عبدالله: «فخرجت بعت ثوبى بـ٣ دراهم ولبست ثوبى الآخر، وبعت عمامتى بدرهمين، فمرت بى عجوز، قالت لى: مالك يا صاحب رسول الله؟، فأخبرتها فطرحت بردها عليها فأعطتنى إياها، فخرجت فى ثوبين مع المسلمين، فغنمت من خيبر عبيد فإذا بها وبين أبى الشحم قرابة، فبعتها له أضعاف مضاعفة، «إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين».
أرسل النبى فى المقدمة سرية استكشاف بقيادة عباد بن بشر، فوجدوا أعرابيًا فى طريقهم، فقال له: من أنت؟ قال: باغ أبتغى إبلًا ضلت لى أنا على أثرها، فقال له عباد: ألك علم بخيبر؟، قال: عهدى بها حديث فبم تسألنى عنها؟، قال عباد: عن يهود، قال: نعم فى خيبر ١٠ آلاف مقاتل معهم سلاح وطعام لو حوصروا سنتين لكفاهم، وماء دائم يشربون فى حصونهم، ما أرى أن أحدًا له بهم طاقة، فرفع عباد بن بشر السوط فضربه ضربة وقال: ما أنت إلا عين لهم، أصدقنى وإلا ضربت عنقك، فقال الإعرابى: أفتؤمننى على أن أصدقك قال: نعم، قال الأعرابى: القوم مرعبون منكم.
يضيف: قال لى كنانة: اذهب معترضًا الطريق فإنهم لا يستنكرون مكانك وإنك منهم، ثم ألق إليهم كثرة عددنا ومادتنا فإنهم لن يدعو سؤالك، يعلم أن المسلمين يقظون، فأتى به عباد النبى وأبلغه الخبر، فقال عمر بن الخطاب: اضرب عنقه، فقال عباد: قد أعطيته الأمان، فأعطاه النبى الأمان.
اشتد الجوع فى الطريق بالمسلمين، يقول عبدالله بن مغفل المزنى: أصبت حرابًا من شحم يوم خيبر، فقلت لا أعطى أحدًا منه شيئًا، فالتفت، فإذا النبى ينظر إلىّ، يبتسم ابتسامة الغاضب فاستحييت منه. مع شدة الموقف وقلة الطعام، إذا بالنبى يقول أثناء السير لعامر بن الأكوع: انزل يا ابن الأكوع فخذ لنا من هناتك (أشعارك)، فأنشد:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا.. ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلنا سكينة علينا.. وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الطغاة بغوا علينا.. إذا أرادوا فتنة أبينا
فسر به النبى وظل يردد خلفه: أبينا.. أبينا.. أبينا، حتى تمايلت الإبل.
ولما وصل الجيش، قال النبى للجيش السائر توقفوا، ودعا دعاء دخول القرية: «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرَضِينِ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا».
وصل النبى ليلًا، فبات المسلمون الليلة الأخيرة على أبواب الحصون، وكان النبى إذا أتى قومًا ليلًا لم يقربهم حتى يصبح كى لا يروع النساء والأطفال، حاصروا الحصون ١٥ يومًا بلا نتيجة.
وفى اليوم الثالث عشر، أصاب النبى الشقيقة (صداع نصفى يأخذ نصف الرأس والوجه) من أثر ضربة ابن قمنة فى غزوة «أحد»، فكان يمكث اليوم واليومين لا يخرج من شدة الصداع. فأرسل إلى أبى بكر ليأخذ الراية منه، ثم نهض، فقاتل قتالًا شديدًا ثم رجع وجهد ولم يفتح، فى اليوم التالى، أرسل إلى عمر، فأخذ راية الرسول ثم نهض فقاتل قتالًا أشد من الأول ثم رجع وجهد ولم يفتح. ويقال إن الغلبة كانت لليهود فى اليومين.