رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زهرة اللوتس.. كيف أصبحت فايزة أبوالنجا المرأة الحديدية؟

جريدة الدستور

هى واحدة من أكثر السيدات نفوذًا فى العالم، حسب القائمة التى أعلنتها مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية.‏
من محافظة بورسعيد الباسلة خرجت محملة بذكريات عن العدوان الثلاثى على مصر، فبدأت مسيرة طويلة توجت بتعيينها مستشارة الرئيس للأمن القومى، فى سابقة ‏هى الأولى من نوعها.‏
تمتلئ حياة السيدة فايزة أبوالنجا، مستشارة الرئيس للأمن القومى، بالعديد من المحطات على المستويين الإنسانى والعملى، غير أن أحدًا لم يقترب منها، ربما لأن ‏صاحبتها لا تتحدث إلى الإعلام تقريبًا. هنا فى «الدستور» نلقى الضوء على بعض الحكايات المهنية والإنسانية فى مسيرة السيدة فايزة تكشف جانبًا لا يعرفه أحد عنها.‏

مولودة فى بورسعيد.. خريجة كلية التجارة جامعة القاهرة.. وأحد أبطال «مفاوضات ‏استعادة طابا»‏

فى مدينة بورسعيد، اليوم الثانى عشر من نوفمبر عام ١٩٥١، ولدت السيدة فايزة أبوالنجا، وتخرجت فى كلية التجارة جامعة القاهرة عام ١٩٧٣، ثم حصلت على دبلوم الإدارة العامة من باريس عام ‏‏١٩٧٧، وفى ١٩٨٩ نالت ماجستير العلوم السياسية من جامعة جنيف. المسيرة المهنية الطويلة للسيدة التى لقبت بـ«المرأة الحديدية»، واستطاعت أن تصمد أمام عواصف كثيرة، تبدأ من عام ١٩٧٥، عند ‏التحاقها بالعمل فى وزارة الخارجية المصرية. كانت أولى مهامها فى الخارج هى عضوية البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة فى نيويورك، إذ مثلت مصر فى اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم ‏المتحدة المعنية بنزع السلاح والأمن الدولى، وكذلك فى اللجنة الثالثة المعنية بموضوعات الحقوق الاجتماعية وحقوق الإنسان.‏
وفى ١٩٨٧، انضمت فايزة أبوالنجا إلى فريق الدفاع المصرى فى لجنة هيئة تحكيم طابا بجنيف، والتى أصدرت حكمها لصالح مصر بعد جلسات استماع قانونية ودبلوماسية طويلة وشاقة، ما أدى إلى ‏استعادة الدولة المصرية شبه جزيرة سيناء بالكامل.‏
وعن ذلك يقول السفير نبيل العربى، الذى يحتفظ بعلاقة إنسانية واسعة مع السفيرة فايزة أبوالنجا: «تعرفت عليها عندما انضمت إلى الوفد الدائم لمصر فى نيويورك، عام ١٩٧٩، وكان الراحل الدكتور ‏عصمت عبدالمجيد مندوبا دائما وكنت مندوبا مناوبا، ورغم صغر سنها آنذاك، فقد أظهرت كفاءة عالية مقرونة بإخلاص وتفانٍ تام فى العمل».‏
وأضاف: «مع فترة الإعداد لتحكيم طابا، تطلب إعداد الأسانيد والدفوع المطلوب تضمينها فى مذكرات الدفاع المصرية لتقديمها إلى هيئة التحكيم الدولية، تغطية شاملة لفترة عصبة الأمم، فطلبت منها ‏تولى هذا الجانب المهم، فتمكنت بفضل دقتها ومثابرتها من موافاة الإدارة القانونية فى وزارة الخارجية المصرية بخرائط ووثائق دعمت وجهة نظر مصر».‏

الأشقاء العشرة وراء منعها من منصب سكرتيرة سوزان مبارك.. ورفضت العمل مع ‏كوفى عنان

فى ثمانينيات القرن الماضى، رشحتها وزارة الخارجية لتكون سكرتيرة سوزان مبارك، قرينة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لكن ظهرت مشكلة أمنية أعاقتها عن شغل المنصب، وهى زيادة عدد أشقائها ‏الذكور إلى ١٠، يتبوأون جميعًا مواقع مرموقة.‏
ورأى مسئولو الأمن فى الرئاسة آنذاك أن الأمر سيستغرق شهورًا لإعداد تقارير أمنية، كالمعتاد فى مثل هذه الوظائف للتعرف على كل أشقائها الذكور وتوجهاتهم، وكانت قرينة الرئيس السابق فى عجلةٍ ‏من أمرها، لذلك صرف النظر عن اختيار الدبلوماسية الشابة إلى غيرها من زميلاتها، ممن كان المسح الأمنى لعائلاتهن أقل جهدًا وأسرع وقتًا.‏
وحينما انتخب الدكتور بطرس غالى سكرتيرا عاما للأمم المتحدة، وقع اختياره أيضًا على فايزة أبوالنجا لتعمل مستشارًا ومساعدًا خاصًا له، وبالفعل عملت معه بمنتهى الإخلاص والتفانى، وقدمت آراء ‏سديدة ونصائح مهمة له طوال فترة ولايته التى امتدت إلى ٥ سنوات، ثم قررت الاعتذار لخلفه كوفى عنان عن الاستمرار فى ذات المنصب المهم والحساس، لرغبتها فى العودة إلى أرض الوطن للانخراط ‏مرة أخرى فى كادر الدبلوماسية المصرية.‏
وبعد عودتها إلى وزارة الخارجية المصرية عام ١٩٩٧، برزت مرة أخرى مواهبها وقدراتها، فاختارها عمرو موسى، وزير الخارجية آنذاك، سفيرة ومندوبة دائمة لمصر لدى المقر الأوروبى للأمم ‏المتحدة فى جنيف.‏
يقول «العربى»: «نظرا لأننى كنت أتردد كثيرا فى هذه الفترة على جنيف بوصفى عضوا فى لجنة القانون الدولى ومفوضا فى لجنة الأمم المتحدة للتعويضات، لمست مرة أخرى تفانيها فى العمل ‏وإخلاصها فى حماية مصالح مصر ودول العالم الثالث فى منتديات ومؤتمرات الأمم المتحدة، ولقى هذا مردودا جيدا، فتم اختيارها عام ٢٠٠١ وزيرة دولة للشئون الخارجية، ثم بعد فترة وجيزة وزيرة ‏للتعاون الدولى لتصبح أول سيدة يتم تعيينها فى مثل هذا المنصب فى مصر». ‏
وبعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق «مبارك»، كانت واحدة من القليلين الذين حافظوا على مناصبهم وتفادت أجواء الثورة والتغيير، فاستمرت فى حكومة الفريق أحمد شفيق، ثم حكومة الدكتور عصام ‏شرف، التى تشكلت فى مارس ٢٠١١، وتولت فيها منصب وزيرة التخطيط والتعاون الدولى.‏
وبخلاف الوزارة التى استحدث فيها قطاع «التعاون الدولى»، شغلت منصب المتحدثة باسم حكومة الدكتور كمال الجنزورى، فى الفترة من ٢٥ نوفمبر ٢٠١١ حتى انتخاب الرئيس الإخوانى محمد مرسى، ‏حين استبعدت من اختيارات حكومة الدكتور هشام قنديل. استمرت هذه الحال إلى أن عينها الرئيس عبدالفتاح السيسى مستشارة للأمن القومى، لتكون بذلك أول امرأة تشغل المنصب، الذى شغله من قبل ‏اللواء محمد حافظ إسماعيل عامى ١٩٧٢، ١٩٧٣ فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات.‏

زوجها سفيرنا السابق فى اليابان.. رفضت التدخل لنجاح ابنها فى امتحان «الخارجية».. ‏وتقرأ لـ«طه حسين»‏

أثرت نشأة فايزة أبوالنجا فى مدينة بورسعيد الباسلة فى شخصيتها، واعترفت هى نفسها بذلك، إذ تقول: «أنا كابنة لبورسعيد عشت طفولتى فى مقاومة العدوان الثلاثى، ثم تجرعت انكسار هزيمة ٦٧ قبل ‏النهوض السريع والانتصار فى حرب الاستنزاف وبعدها أكتوبر المجيد، ما شكل وجدانى الوطنى كغيرى من المصريين».‏
وخلال الحرب تم تهجير أهلها من مدينة بورسعيد، واضطروا للانتقال إلى القاهرة، ورغم كل المناصب التى تقلدتها إلا أنها لم تترك بيتها فى شارع ٢٦ يوليو بوسط العاصمة.‏
وأثناء عملها الدبلوماسى الطويل، ارتبطت فايزة أبوالنجا بزميل لها، هو هشام الزميتى، سفير مصر السابق فى اليابان وباكستان والمجر، وهو إنسان متكامل علمًا وخلقًا وابن نابه للمدرسة «الفرانكفونية» ‏فى الدبلوماسية المصرية.‏
ويقول عنه السياسى الكبير الدكتور مصطفى الفقى، إن «الزميتى» كان يستحق أكثر مما هو فيه، لكن بعض وزراء الخارجية السابقين كانوا يعطونه أقل مما يستحق، حتى لا يتهموا بمحاباة الوزيرة، رغم ‏أن زوجها كفء بذاته ومتميز بقدراته.‏
لدى فايزة أبوالنجا ابن وحيد يعتبر كل حياتها يدعى «شريف»، التحق بامتحان وزارة الخارجية مرتين، وكان ينجح فى التحريرى ويرسب فى الشفوى، ما حرمه من دخول السلك الدبلوماسى، لأن والدته ‏ترفض الوساطة، لذلك فتح ابنها مكتبا تجاريا خاصا به.‏
ويصفها المقربون منها بالتواضع الكبير، والإحساس بمعاناة الناس، لذا تحاول مساعدتهم بنفسها دائمًا، ورغم أنها كانت الأصغر سنًا فى الوزارة بعد توليها المنصب، إلا أنها لا تخجل من أن تسأل أهل ‏المعرفة والسفراء ممن هم أكثر منها خبرة، وتتعامل بأدب مع مرؤوسيها.‏
وتحب الوزيرة القراءة عمومًا وبشكل خاص كتب طه حسين، وتنصح كل مواطن بقراءة كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» لعميد الأدب العربى، بعدما قرأته هى شخصيًا ٤ مرات.‏
وتقول عن الكتاب: «كل مرة أعيد فيها قراءته أتعجب من عبقرية هذا الفيلسوف المصرى فى وصف مشكلات الوطن، إذ تحدث منذ عشرات السنوات عن مشكلات وزارة المعارف وقتها، كأنه يحدد ‏بدقة المشكلات التى تواجهها وزارة التربية والتعليم فى عصرنا الحالى».‏