رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

7 طرق نبوية لحل المشاكل الزوجية «١-٢»


مجتمع المدينة كما أى مجتمع هو عبارة عن بيوت فيها نجاحات مثلما فيها مشاكل، على رأس تلك الأزمات عدم الإنجاب، وهو أمر مؤلم للسيدات والرجال، وقد يكون سببًا فى هدم البيوت، والنموذج الأبرز هنا هو نموذج السيدة عائشة، فهى لم تنجب من النبى، صلى الله عليه وسلم، وعاشت بعد وفاته ٤٠ سنة.
واجه النبى الأمر بفكرة الأسرة الكافلة «الأسرة البديلة». كانت أختها أسماء بنت أبى بكر لديها ولدان «عبدالله وعروة»، لكنها كانت تعانى من ضيق العيش هى وزوجها الزبير بن العوام.
كانت أسماء مرتبطة بابنها الأكبر عبدالله، وأنجبت الثانى عروة، فكر النبى فى أن تكفله عائشة، ليعوضها الحرمان من الأمومة، فقامت بتربيته هو وشقيقها الأصغر عبدالله بن أبى بكر، وقد لقبها سيدنا النبى بـ«أم عبدالله»، بعد أن وجهها لتربية ابن أختها وشقيقها، وصار «عروة» أكبر فقهاء المسلمين.
كما وجهها سيدنا النبى للعلم والتعلم، ليفرغ جزءًا من طاقتها، فصارت أفقه نساء المسلمين، روت وحدها عن النبى ٢٥٠٠ حديث.
عوضها رب العالمين عن عدم إنجابها بأن صارت أمًا للمؤمنين كلهم، تعلمهم دينهم، وأصبحت معلمة الرجال، يقول أبو موسى الأشعرى: «كنا إذا استشكل علينا أمر من أمور الإسلام رجعنا للسيدة عائشة فوجدنا عندها منه علمًا».
إذا دخلت الروضة ستجد عمودًا مكتوبًا عليه «أسطوانة عائشة»، كان عروة يقول لها: «ولا أعجب من علمك بالدين أقول علمك رسول الله، ولا أعجب من علمك بالأنساب وأبوك أبوبكر، ولا أعجب من علمك بالشعر، ولكن أعجب من علمك بالطب فمن أين لك بالطب يا أماه»، فقالت: «يا بنى كان رسول الله فى آخر عمره يمرض كثيرًا، وكانت وفود العرب تأتينا بالوصفات، فتعلمت الطب من ذلك».
كما أعطاها النبى مساحات للحضور الاجتماعى، من خلال زيارة النساء والانفتاح المجتمعى، تقول السيدة عائشة: «كانت تأتينى صواحباتى فكن يخجلن من رسول الله، فكان يسر بهن، ويفرح أنهن معى بل يرسل لهن لتسليتى، وكان النبى يرسل لهن إذا سافر ويوصيهن أن يأتين إلىّ».
لم يعيرها أبدًا بأنها لم تنجب، لم يشعرها أبدًا بهذا الجانب غير المكتمل عندها، إلا مرة واحدة عندما أخطأت بحق السيدة خديجة، ليس وحدها التى لم تنجب، بل كل زوجات النبى إلا واحدة هى مارية المصرية، ومع ذلك لم تشعر أى واحدة منهن بأى نقص فى حياتها.
تركهن النبى وقد أمن مستقبلهن كلهن، ليس أموالًا، وإنما دور ونجاح، فقد أعاد لهن اكتشاف ذواتهن، لذلك أحببنه حبًا كبيرًا حتى بعد وفاته، وقد كان ذلك سببًا فى إسلام عالم اجتماع أمريكى، لما كان يفعله مع زوجاته وحبهن له بعد موته، يقول: فعلمت أنه صادق.
لا ينفى ذلك حدوث أزمات، إذ انتشر فى المدينة أن النبى يحب السيدة عائشة، فمن أراد أن يهدِّيه كان يهديه فى يومها، الأمر الذى أثار غيرة الزوجات الأخريات.
كانت نساء الرسول حزبين، حزبًا يضم عائشة وحفصة وصفية وسودة، والآخر أم سلمة وسائر النسوة. فذات مرة، أرسل الحزب الأخير إلى النبى: «نساؤك ينشدنك الله العدل بين زوجاتك»، فتساءل عن السبب، فعلم أنهن يغرن من أن الهدايا تأتى لعائشة، فلم يجبها النبى، ولم يخض فى التفاصيل.
رجعت السيدة أم سلمة، فتوجهت ومعها النساء الأخريات للسيدة فاطمة ابنة النبى، فدخلت عليه تعرض المشكلة، فقال: أى بنية أتحبيننى، قالت: نعم، وتحبين من أحب، قالت: نعم، فقال: فإنى أحب عائشة فأحبيها، فرجعت وقالت لهن: والله لا أكلمه فى عائشة أبدًا.
لم يكلم فاطمة بالمنطق والحجة والجدل، وإنما استخدم العاطفة، مثلما تعامل مع شكوى زوجاته بإنسانية على أن لهن مشاعر وأحاسيس. والنبى مع دوره كقائد ومشرّع ونبى يوحى إليه، لكنه فى بيته يخلع عباءة القائد إلى عباءة الزوج.
كما عالج النبى مشكلة الانشغال عن زوجاته، فى غضون سبع سنوات قاد ٢٧ غزوة، فضلًا عن دوره فى إصلاح الأمة، والعبادة، وكان فى يوم عيد الأحباش يلعبون فى المسجد بالحراب، مثلما يلعبون فى الصعيد «التحطيب»، فأرادت السيدة عائشة أن تتفرج، تقول: فوضعت خدى على كتف رسول الله، وكلما سألها: أشبعتِ تقول لا.. والله لقد مللت ولكن أردت أن أعرف مكانتى عنده.
كان يخرج معها كل أسبوع لمدة نصف ساعة خارج المدينة ويسابقها، يطبق قاعدة مداواة قلة الوقت بزيادة جودته، ابحث عما يسعد أهلك وكرره، فلما أعطاها حقها قدرت انشغاله، يقول لها: دعينى أقوم لربى ساعة، تقول له: أحب قربك وأؤثر هواك، تقول: أصلى.
إنسانية النبى تتجلى فى التعامل مع زوجته مارية عند وفاة ابنهما إبراهيم، كانت من فرط حزنها تقول: من يطعمك يا ولدى الآن؟، فيرد عليها إن له مرضعة فى الجنة، تقول: أين أنت يا ولدى الآن؟، فيرد عليها: يرى مكانه فى الجنة، تقول: ما فرشك يا ولدى الآن؟ فيرد: يفرش له من الجنة، تقول: ما أضيق قبرك يا ولدى، فيقول لها: يفتح له بابًا إلى الجنة فيرى قصورها وأنهارها.
كان يسرى عنها فى حزنها ويخرجها منه بالحوار، لأنه كان إنسانًا حنونًا يراعى مشاعر شريك الحياة، وهذا ركن من أركان المودة والرحمة.
مثلما يحدث فى البيوت الآن، اشتكت نساء النبى يومًا من قلة من ضيق النفقة، واجتمعن على ذلك، وضغطن عليه مرة واثنتين وثلاثًا، لما رأينه من كثرة المال وزيادة الغنائم، فأثقلن على النبى، جمعهن وقال لهن: أنا وضعى كذا ولا أقدر على كذا، أدار حوارًا هادئًا معهن، إذ إن الشفافية الأسرية هى أحد مفاتيح حلول المشاكل، لكن لا فائدة، فقرر النبى اعتزال نسائه لمدة شهر فى مزرعة بـ«العوالى»، حتى يعلم كل رجل أنه حين يحتدم الخلاف مع زوجته أن يبتعد عنها حتى تهدأ الأوضاع.
فانتشرت شائعة بأن النبى طلق زوجاته، وبعد ٥٠ يومًا على الابتعاد عنهن، نزلت الآية: «يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا».
فمر النبى على زوجاته ويقرأ عليهن الآية، فبدأ بعائشة: يا عائشة إنى أريد أن أعرض عليك أمرًا أحب ألا تعجلى فيه حتى تستشيرى أبويك، قالت: ما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها، فردت عليه: أفيك يا رسول الله أستشير أبواى، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وقالت له: «أسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذى قلت». يقول: «لا تسألنى امرأة ألا أخبرتها، إن الله لم يبعثنى معنتا، ولا متعنتا ولكن بعثنى معلمًا ميسرًا».
كما واجه النبى أزمة الشك والغيرة وسوء الظن، مثلما يحدث من بعض النساء مع أزواجهن. تقول السيدة عائشة: «مَّا كَانَتْ لَيْلَتِى، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِى فِى رَأْسِى، وَاخْتَمَرْتُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ». فقال لها: «هل ظننت أنى أظلمك بالذهاب فى ليلتك»، قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِى، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِى».
لم يظهر ضجره، أو يبدى تحفزًا تجاه ما فعلته، سألها عما الذى أتى بها خلفه، ناقش مخاوفها، ليؤكد لها أنها غير صحيحة، لكن هناك رجلًا يفرح لذلك، ويعمل على زيادة قلقها.
ويضع النبى قاعدة فى التعامل مع الشك والغيرة «مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يَكْرَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا مَا يُحِبُّ فَالْغَيْرَةُ فِى الرِّيبَةِ، وَأَمَّا مَا يَكْرَهُ فَالْغَيْرَةُ فِى غَيْرِ رِيبَةٍ»، فهناك غيرة يحبها الله ورسوله، وأخرى يكرهها الله ورسوله.
فالغيرة ساعة القلق، مثلًا: جاءتك معلومات مقلقة، شعرتْ أن هناك تصرفات غير طبيعية، أما الغيرة التى يكرهها، فهى التى بدون سبب، فليس هناك دليل، ولا داع، ولا عبارة، ولا أى شارة، ولا تصرف مقلق، والأمور كلها طبيعية.
من الأزمات التى باتت سببًا فى تهديد العلاقات الزوجية، حتى إنها أصبحت سببًا من ٧٠٪ من حالات الطلاق، هى مشكلة العلاقات الخاصة، لأنه لا أحد يجرؤ فى الحديث عنها، ويتحدث عن أمور أخرى.
القرآن أكثر صراحة لحل المشكلة من جذورها، دون تهميش ولا تضخيم. خولة بنت ثعلبة حصل بينها وبين زوجها أوس بن الصامت أزمة، انفعل عليها وقال لها: أنت علىَّ كظهر أمى، فتنزل سورة المجادلة «الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِى وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ»، أى لا تُحرم أيها الزوج امرأة من حقها أبدًا.
وقد كان لهذه السيدة قصة مع عمر بن الخطاب، قالت له: يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميرًا فى سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله فى الرعية، فقال الجارود: قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال عمر: دعها، أما تعرفها، فهذه خولة بنت حكيم، التى سمع الله قولها من فوق سبع سموات، فعمر والله أحق أن يسمع لها.
وكان ذلك سببًا فى تغيير قواعد التجنيد فى الجيش، مراعاة لاحتياجات المرأة من زوجها، سأل ابنته حفصة: يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها، ردت من أربعة أشهر إلى خمسة أشهر، فأمر ألا يغزو واحد أكثر من ٤ أشهر.
وهذه أبرز الأزمات التى واجهها النبى ونواجهها الآن فى بيوتنا:
أزمة عدم الإنجاب.. الحل: املأ فراغ حياة زوجتك.. أوجد لها فرصًا لتحقق ذاتها.
مشكلة الكلام الكثير والقيل والقال.. الحل: ركز على العاطفة ولا تدخل فى المشاكل.
مشكلة انشغال الزوج فى العمل.. الحل: داو ذلك بجودة الوقت.
أزمة وفاة أحد الأبناء.. الحل: الرحمة والحنان والمواساة.
أزمة النفقة.. الحل: الإنفاق عليها.. ومصارحة الزوجة بشفافية.. خذ هدنة دون صراع.
أزمة الشك والغيرة وسوء الظن.. الحل: الصبر وبث الطمأنينة فى قلب الزوجة.
أزمة احتياجات المرأة فى علاقتها الخاصة جدًا مع الرجل.. الحل: إياك أن تحرم زوجتك من حقها.