رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دروس مهمة من أول هزيمة للمسلمين «٢-٢»


كانت خطة أبى سفيان فى «أحد» أنه يسعى لتطويق المسلمين، فقسم جيشه.. بنى عبدالدار عنا المسئولين عن (اللواء)، عكرمة فى ٧٠٠ (ميسرة)، خالد بن الوليد معه ٣٠٠ فارس (ميمنة)، أبو سفيان فى القلب مع ألفى مقاتل.
فى المقابل، كانت خطة النبى أن نواجههم وجهًا لوجه.. مصعب بن عمير (اللواء) حمزة وعلى والزبير القلب.. عبدالله بن جبير ومعه ٥٠ من الرماة على جبل الرماة، حتى لا تنفذ قريش منه، وشدد عليهم قائلًا: «احموا ظهورَنا، إن رأيتمونا تخطَّفَنا الطير، فلا تنصرونا، حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هَزمْنا القوم وانتصرنا، فلا تتركوا أماكنكم حتى أرسل إليكم».
فرق العدد وإن كان لصالح قريش، لكن الروح المعنوية كانت مرتفعة فى صفوف المسلمين، وهو القانون الخامس فى الحياة: سر النجاح هو روحك المعنوية.
وكان سيدنا حمزة فاهمًا لهذا القانون، أراد أن يرفع الروح المعنوية للمسلمين، فرأى بخبرته أنه لو سقط لواء الكفار سيهزمون فتحرك فى مجموعة نحو اللواء، حتى إن لواء قريش سقط ٧ مرات.
فى الناحية الأخرى، كلما حاول خالد بن الوليد الالتفاف وراء جبل الرماة، يجد الرماة فى مكانهم فيتعطل، بينما عكرمة بن أبى جهل وجد المسلمين ملتصقين فى جبل أحد، ومن أجل أن يطوق ميمنة المسلمين، كان عليه أن يلتف حول الجبل لمسافة ٢٣ كيلومترًا.
استطاع النبى أن يفرض خطته على أبى سفيان، وأن يواجه المسلمون الكفار وجهًا لوجه، وانتصر المسلمون، بدأت قريش تهرب وتنسحب وامتلأت أرض المعركة بالغنائم، فبدأ من الرماة من يتحدث عن النزول، لكن أحدهم يقول: «أما أنا فلا أتخلف ولا أعصى أمر رسول الله» فيظل على الجبل هو وعشرة من الرماة، وينزل الأربعون الآخرون من أجل الحصول على الغنائم فينكسر جيش المسلمين، خطأ فى التقدير أدى إلى سقوط ٧٠ شهيدًا، بعد أن استغل خالد بن الوليد الثغرة ونفذ منها، فقلب نتيجة المعركة لصالح قريش. وهذا القانون السادس من قوانين الحياة: من استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه.
ما صعب الوضع أكثر، أنه خرجت شائعة حول مقتل النبى على يد عبدالله بن قمنة، وقتل مصعب بن عمير، وهناك من قال: نعود للمدينة بعد أن هبطت الروح المعنوية، إذ لا بد من الاستمرار فى العمل وعدم الالتفات وليكن شعارك قول الله: «وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ».
فى لحظة التراجع هذه، تظهر بطولات رائعة.. النبى ينادى: إلى عباد الله... أنا رسول الله، سعد بن أبى وقاص يدافع عنه بقوة يصد الهجوم برمى النبال «ارم سعد.. فداك أبى وأمى»، فأصبح قائد جيش المسلمين القادسية منذ ذلك اليوم، لأنه ولد بداخله شىء جديد، فالتقدير يصنع الأبطال.
طلحة يقول للنبى: اخفض رأسك يا رسول الله لا يصيبك سهم، «نحرى دون نحرك يا رسول الله»، لذا فإن الحفاظ على الرموز حفاظ على الحياة، ومن الخطـأ الكبير تحطيم الرموز من صلاح الدين لأحمد عرابى لنجيب محفوظ.
أبودجانة يترس فوق النبى، والسهام تقع فى ظهره فكان ظهره كالقنفد من السهام، فحب الرسول قانون من قوانين السعادة فى الحياة، لكن للأسف المتطرفون يستخدمون اسم أبودجانة فى عنفهم، وهذا خيانة له، لأنه حمى ظهر رسول الله، ولم يدم ظهر الإسلام.
أم عمارة وقفت أمام «بن قمنة» الذى كان يريد أن يقتل النبى وأخذت تحمى ظهره، يمينًا فتأتى له يمينًا، شمالًا فتأتى له شمالًا، هو لا يريد أن يقتلها لأنه عيب على العربى أن يقتل امرأة، فضربها ضربة أسقطت السيف من يدها.
تقول: «فهممت أن أجرى فنظرت فإذا النبى وحده، فثبتُ فى مكانى أحمى ظهر رسول الله»، فظل يضربها على كفتها بالسيف حتى غارت عظام الكتف، سقطت فى مكانها فأتى ابنها حبيب بن زيد، فقالت له: «دعنى أدرك رسول الله»، من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟ ترد على النبى: «أطيق وأطيق وأطيق ولكن أسألك شيئًا واحدًا، أسألك مرافقتك فى الجنة يا رسول الله، لست وحدك أنت وأهل بيتك».
صحابة كثيرون عادوا إلى المدينة، من بينهم أنس بن النضر، الذى نجح فى تصحيح مسار المعركة، وهذا درس مهم، فالصحابة صححوا مسارهم فى وقت صعب وحرج جدًا وسط المعركة.
جاء أبوعامر الفاسق وصنع حفرة سقط فيها النبى، وكسرت رباعيته، مع ذلك كان يدعو لهم: «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون».
بكى النبى لما استشهد حمزة على يد «وحشى»، الذى أسلم بعد ذلك وقتل مسيلمة الكذاب، وقال: قتلت بها خير خلق الله وقتلت بها شر خلق الله. قانون الحياة: تحرر من عقدك فى الحياة، قيمتك بنجاحك وليس بشكلك ولا جنسك ولا بمالك.
كان لشهداء أُحد كلام جميل قبل موتهم فى حب رسول الله، فهذا سعد بن الربيع يقول: «أبلغوا منى رسول الله السلام وقولوا له جزاك الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته.. يا رسول الله.. وأخبروا الأنصار منى السلام.. وقولوا لهم إنه لا عذر لهم إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف».
وبينما يسود النبى والصحابة الحزن على الشهداء، حيث ارتقى ٧٠ شهيدًا، كان النبى يقول: ابحثوا لى عن عبدالله بن حرام وعمرو بن الجموح.. قالوا: لماذا يا رسول الله؟، قال ادفنوهما سويًا فإنهما كانا متحابين فى الدنيا.
نزلت آيات سورة «آل عمران» تعلم المسلمين قوانين الحياة من غزوة أحد:
قانون: «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، إذا كانت الحياة ضدك اليوم فستكون معك غدًا.
قانون رفع الروح المعنوية: «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين».
قانون لا ترم أخطاءك على غيرك، «أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، كل هذا من أجل أن يعلمنا أن أهم قوانين الحياة: هو احترام قوانين الحياة.