رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصص عظيمة عن الحب فى سيرة النبى «1-2»


لم تكن حياة النبى، صلى الله عليه وسلم، والصحابة فى المدينة، حياة جامدة خالية من المشاعر الإنسانية، تتلخص فى الحروب والمعارك والإدارة والقيادة، كيف ذلك وهو المعنى فى المقام الأول ببناء الإنسان.
كانت هناك قصص حب وزواج، إذ الحب الصادق هو الحب الذى يبنى، ويملأ الإنسان بالخير، والذى يجعل صاحبه قريبًا من الله ومن أهله ومن نفسه، هو الذى يتحول إلى نجاح وبناء وتعمير، وليس ذلك الحب الكاذب الذى يدعو إلى العقوق ومعصية الخالق.
تقدير مشاعر الحب بين الرجل والمرأة
كثيرون من الآباء والأمهات يسخرون من مشاعر أبنائهم عندما يعلمون أنهم يحبون ويرغبون فى الزواج، يقولون: لعب عيال، لكن الوضع كان غير ذلك بالمدينة، إذ كان هناك احترام وتقدير كبير لمشاعر الحب.
وقصة زوج السيدة فاطمة، ابنة النبى من على بن أبى طالب، هى خير شاهد، فقد تقدم لها أكثر من شخص، منهم أبوبكر، وعمر بن الخطاب، وعبدالرحمن بن عوف، لكن النبى كان يعلم ميلها لعلى، وإن لم يتقدم، فبدأ الأنصار يقولون له سبقك الكثير.. لماذا لم تتقدم لها؟ فيقول: ليس عندى شىء.. قالوا: ولكن رسول الله يحبك. فذهب للنبى وجلس أمامه دون أن ينطق.. فسأله: لم تسكت؟، لم يجب، فبادره النبى: لعلك جئت تطلب فاطمة؟، قال: نعم، فقال له: هل معك شىء تتزوجها به؟، فقال: لا يا رسول الله، فقال أليس عندك درع؟، فقال نعم، ولكنه لا يساوى إلا ٤٠٠ درهم، فقال النبى: زوجتك به، فرد على: قد دفعت المهر فمتى نتزوج؟، فأجابه النبى: اليوم لو شئت.. وتم الزفاف.
بعد الزفاف، قال النبى: يا على لا تحدث شيئًا حتى آتيكما، يقول: فجلست فى ناحية من الدار، وجلست فاطمة فى ناحية أخرى من الدار، ثم جاء النبى، ووضع يدًا على يد، وبدأ النبى يدعو: اللهم إن فاطمة بضعة منى، اللهم إنها حبيبة إلى قلبى، اللهم إن عليًا أخى، وأحب الناس إلى قلبى، اللهم بارك لهما وبارك عليهما واجمع بينهما فى خير، ثم قال: يا على ضع يدك على رأس فاطمة، وقل اللهم إنى أسألك خيرها وخير ما خلقت له.
قبل ظهور الإسلام، كانت هناك قصة حب شهيرة شبيهة بقصة قيس وليلى، لحبيبين هما: عروة وعفراء، أحبا بعضًا لكن الأهل رفضوا تزويجهما، فرق عمر قلبه، وقال: «لو أدركتُ عُروة وعفراء لجمعتُ بينهما، وزوجتهما وشهدت زواجهما».
الشفاعة من أجل الحب
فى صحيح البخارى وردت عن مغيث وبريرة، كان زوج بريرة عبدًا يقال له مغيث، كان يطوف خلفها يبكى، ودموعه تسيل على لحيته، لم يلمه أحد على مشاعره، بل إن النبى اهتز للمشهد، وتحرك للشفاعة من أجل الحب، فقال للعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا، فقال النبى لو راجعتِه، قالت: يا رسول الله تأمرنى؟، قال: إنما أنا أشفع، قالت: لا حاجة لى فيه.
الطيبون للطيبات والطيبات للطيبين
ليس معناها أن الطيب يتزوج طيبة، لأن الواقع يناقض ذلك أحيانًا، لكن معناها: أيها الطيب ابحث عن الطيبة، وأيتها طيبة ابحثى عن الطيب.
كان مرثد بن أبى مرثد من المسلمين، يحمل الأسارى فى مكة، وكانت هناك امرأة سيئة اسمها: عناق، كانت صديقة له فى الجاهلية، قبل أن يدخل الإسلام، وكان يحبها، فلما هاجر إلى المدينة، نسيها، لكنه لا يزال يذهب إلى مكة لمساعدة المسلمين على الهجرة سرًا للمدينة.
فرأته عناق، وتحدثت إليه، فتحرك قلبه، قالت له: مرحبًا وأهلًا هلم فبت عندنا الليلة، قال: فقلت يا عناق، حرم الله الزنا، فغضبت، وصرخت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم.
يقول: تبعنى ثمانية من قريش فاختبأت فى كهف، فدخلت فيه، فأعماهم الله عنى (ببركة تركه للحرام) ثم عادوا، فرجعت إلى صاحبى فحملته، وكان رجلًا ثقيلًا حتى أتيت به المدينة.
لكن لا تزال فى قلبه، ما جعله يسأل النبى: يا رسول الله أأتزوج عناقًا؟ مرتين، فأمسك رسول الله فلم يرد «الزَّانِى لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً»، ونزلت الآية: «وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ». الحب ضرورة لكن اختيار الطيبة يأتى قبل الحب، وهذا لا علاقة له بمسألة التوبة، لأنها لو تابت ربنا سيرزقها الله بمن هو أفضل من مرثد.
ضبط العواطف بالأخلاق
عندما نكون غير قادرين على تحويل الحب لزواج، أو الظروف تمنعنا من إعلان الحب، إما لصغر السن، أو لظروف مالية، فهنا يكون من الضرورى ضبط المشاعر، فلو أحب شخصًا فتاة وتزوجت من آخر، وجب عليه أن ينسحب من حياتها وألا يتصل بها، النبى يقول: «يرفع يوم القيامة لكل غادر لواء مكتوب عليه هذه غدرة فلان».
احتفظ بمشاعر الحب بداخلك، تطبيقًا لأمر النبى: «من أحب فعف فكتم فمات فهو شهيد»، وفى رواية: «من أحب وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة».
لذا أنصح الشباب والفتيات فى مرحلة الثانوية بألا يدخلوا فى علاقات فى هذه السن، لأنهم لم ينضجوا بعد، وغالبًا العلاقات من هذا النوع لا تكلل بالزواج، ويؤدى ذلك إلى انكسار القلب، ومع تكرار هذا العلاقات يقسو قلب الفتاة من كثرة التجارب الفاشلة، حتى إذا وصلت إلى مرحلة الزواج، لا تستطيع أن تحب زوجها.