رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المياه حياة الشعوب..« وجعلنا من الماء كل شىء حى»


لا يختلف عاقل أينما وجد من أن الماء أساس الحياة، وبدونه لا وجود لأى كائن حى، وبه وعليه تقوم الحياة، وبدونه لا زراعة ولا صناعة، ولقد أوجد الله – سبحانه – اليابسة من الماء، إذ يذكر لنا سفر الخليقة (التكوين) أن الأرض كانت خربة وخالية، وروح الله يرف

على وجه المياه، وفصل الله بين الماء واليابسة، والماء يشكل 70% من مسطح الأرض، واليابسة تمثل الجزء الباقى، أى 30%، بل إن تكوين الكائنات يقوم على الماء كجزء أساسى من الخليقة، فثلثا جسم الإنسان مكون من الماء، وثلاثة أرباع الدجاجة من الماء، ومعظم مكونات الفواكه ماء.

والماء يؤدى دوراً هاماً فى مناخ الأرض بالبرودة أو الحرارة إذ تمتص المياة حرارة الشمس، فالنسيم القادم من البحر يأتى معه الدفئ لينتشر على اليابسة شتاءً والبرودة صيفاً.

والماء هو أصل الحضارات، إذ حوله قامت وازدهرت، وبنقصه تضاءلت بل وتلاشت تماماً باختفاء المياه، وحول المياه قامت الحروب وتصارعت القبائل على حفرة ماء أو بئر بها الكثير أو القليل من الماء.

وعبر العصور القديمة عبد الإنسان المطر، ورفعت صلوات الكنائس والمساجد من أجل هطول المطر... فصلى إيليا (إيلياس) ألا تمطر فلم تمطر ثلاث سنوات ونصف وعندما صلى نزلت الأمطار، ما أن المياه كانت وما زالت لزيادتها وارتفاع مناسيبها دون حساب لها غرق للإنسان والحيوان والزرع والضرع.

ويقول علماء المياه إن 97% منه يوجد فى المحيطات، وهو ماء شديد الملوحة لا يمكن شربه أو رى الزرع به، ولا حتى الصناعة يمكن أن تقوم عليه.

أما النسبة القليلة من المياه التى يطلق عليها «العذبة» والتى لا تزيد على 3%، فهى مياه غير متوافرة فى جميع المناطق.

كما يقول العلماء إن المياه العذبة التى نستخدمها هى ذاتها التى تعود إلينا، فالمستخدم منها يعود إلى باطن الأرض، ثم إلى المحيطات، فالتبخر ثم المطر، فإعادة الاستخدام. فالماء الذى تستخدمه استخدم من قبل، وسيستخدم من بعد، وهذه حكمة الخالق فى خلقه حتى تبقى الحياة وتستمر.

والمشكلة الحقيقية هى فى المناطق غير الممطرة، حيث يكون مصدر الماء غير متوافر، بينما أجزاء أخرى من العالم تعيش غالبية العام إن لم يكن كله على أمطار غزيرة، وحتى تستمر الحياة فيها فلا بد من التخلص من الفائض لديها وإلا غرقت الأرض ومن عليها، لهذا تقام الخزانات والسدود لحفظ المياه وتبادله مع الجيران من الدول الأقل مطراً، وبذلك تتبادل المنافع، فلا يموت البعض غرقاً ويموت الآخرون عطشاً.

ويقول العلماء إن الإنسان فى استطاعته الحياة بدون ماء لمدة أسبوع واحد ويموت بعده، إذ يصل منسوب الماء أو نسبته فى الجسم إلى أقل من 20% من وزنه، وينصح الأطباء أن يشرب الإنسان حوالى 2.5 لتر ماء فى اليوم إما شرباً أو فى الطعام والفاكهة، وسائر المشروبات الأخرى.

وفى البلاد المتقدمة يستخدم الفرد نحو 250 لترًا يومياً من لحظة قيامه من النوم وحتى نومه ليلاً، ما بين النظافة والاستحمام وغسل الملابس والأوانى والشرب.

أما المزروعات فتأخذ القدر الأكبر من الماء، وتختلف نسبة الماء وفقاً لنوع البذور أو الشتلات ونوع التربة وكذلك المناخ.

أما علاقة الماء بالكهرباء، فهى علاقة وثيقة ولصيقة، فالكهرباء تستخدم للإضاءة، ولتشغيل المصانع، ولتشغيل محطات توليد الكهرباء فإنها تستخدم الفحم الحجرى أو أى وقود آخر لتحويل الماء إلى بخار، ويؤمن البخار الطاقة اللازمة لتشغيل الآلات التى تنتج الطاقة الكهربية.

ولا ننسى أن الماء عامل أساسى وجوهرى فى الصناعة، فالماء يدخل فى تنظيف المأكولات قبل تقطيعها وتعبئتها أو تجميدها، وهو الماء المستخدم فى المشروبات بكل أنواعها، كما يستخدم الماء فى عمليات التبريد وتكرير النفط، وتبريد الحديد الساخن فى مصانع الفولاذ وسائر المعادن الغالية الثمن، ولا يفوتنا أن الماء عامل أساسى فى النقل، سواء كان بالبحر بواسطة السفن الكبيرة عابرة القارات وحاملة المواد الخام، والإنتاج الصناعى، وتبريد آلات السفن والسيارات والقطارات.

ولا نقلل من أهمية الماء فى عالم الرياضة والتنزه والتزحلق والسباحة وصيد الأسماك والتمتع بالجمال المنبعث من المياه نهاراً وليلاً لا سيما مع ضوء القمر وقبيل غروب الشمس.

نعم، إن الماء هو لصيق الحياة. سبحان الله الذى أوجده فكان سر الحياة، ودونه الشقاء والموت والحروب والدمار.

الحبشة وخططها المائية: لا شك أن لكل دولة حريتها فى استخدام مواردها، بشرط عدم الإضرار بالآخرين، وهذا المبدأ هو السارى على كل الشعوب والمجموعات والأفراد، فالمالك لعقار مثلاً من حقه أن يبنى جداراً عازلاً على أرضه يحقق له الأمن والخصوصية، أما إذا ما استخدم هذا الحق بأن أقام جداراً عازلاً بارتفاع يمنع الهواء والنور الطبيعى عن جاره بلا مبرر لهذا الارتفاع إلا للكيد من جاره وحرمانه من المنفعة المعتادة والطبيعية، فإن من حق الجار أن يقاضى جاره بأن الجدار بهذا الارتفاع لا مبرر له إلا لإيقاع الضرر بالجار، والقانون يمنع الجار أن يفتح نوافذ بيته على جاره ما لم يكن لديه مساحة فاصلة تمكنه من ذلك، ولا يستطيع الجار أن يبرر ما فعله بأن النوافذ مفتوحة فى مبناه الذى يمتلكه، لذا نظم قانون الإسكان والمرافق المساحة التى يمكن أن يتركها المالك بينه وبين جاره حتى يمكنه فتح مطلات عليها، وهذا التنظيم يواجه ما يعرف قانونياً بإساءة استخدام الحق، أى أن لكل إنسان حقوقاً تواجهها التزامات بحيث لا تتحقق مصالح الأفراد على حساب مصالح الغير أو تخالف النظام العام، وهذا ما سنفرد له حديثاً مستقلاً فى المقال القادم