رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود خليل يكتب: هل عبد المصريون «فرعون موسى» من دون الله؟

محمود خليل
محمود خليل

- الذين عبدوا فرعون موسى وعظموه هم أهله وعشيرته
- الكهنة كان لهم الدور الأخطر فى تكريس فكرة «الحاكم الإله»


المصرى لا يقدس فردًا، ذلك وهم كبير حاول الكثيرون تكريسه بين أفراد هذا الشعب. ويشهد التاريخ منذ فرعون موسى أن انتفاضات المصريين ضد حكامهم فاقت حالات سكاتهم عنهم، بمن فيهم فرعون «موسى» الذى يُتهم المصريون بأنهم عبدوه من دون الله، تلك هى الأكذوبة الرئيسية التى تأسست عليها سلسلة الأكاذيب التى روجت لفكرة أن المصريين يميلون إلى تقديس حكامهم. الذين عبدوا فرعون موسى وعظّموه وقدّسوه هم أهله وعشيرته، والدليل على ذلك أن القرآن الكريم يذكر كلمة «فرعون» فى الأغلب مسبوقة بكلمة «آل» فيقول «آل فرعون»، ويربط باستمرار بين فرعون وملئه، والمقصود بالملأ الحاشية المحيطة ببلاط الحاكم.

لو أنك أمعنت النظر فى «آل فرعون و«ملئه»، فسوف تدرك بسهولة أن من لعبوا الدور الأكبر فى إضفاء القداسة عليه هم مجموعات المصالح التى أحاطت به من أهله وبطانته وحاشيته. وكان للكهنة الدور الأخطر فى تكريس فكرة الحاكم الإله وإشاعة الأكذوبة التاريخية التى تأكدت داخل بعض النفوس المريضة من أن المصريين يحبون الحاكم المتأله. وذلك هو دأب الكهنة فى مصر منذ فرعون «موسى» وحتى الآن، قد تختلف أشكالهم أو أزياؤهم أو طريقة كلامهم أو أسلوب تبليعهم الأكذوبة للشعب، لكن المشترك الثابت بين الكهنة المصريين فى كل العصور هو الارتباط بشبكة مصالح مع بلاط الحكم الفرعونى. وصدق الله العظيم إذ يقول «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ».
القرآن الكريم يشهد أن المصريين وقفوا من الصراع بين موسى وفرعون موقفًا محايدًا، فقد ذهبوا «يوم الزينة» للفرجة على تلك المعركة التى خاضها «موسى» مع سحرة فرعون. ولم يشر القرآن الكريم إلى أنهم ذهبوا نصرة لفرعون أو تشجيعًا لـ«موسى». والدليل على ذلك أنه عندما حسم «موسى» الأمر لصالحه آمن السحرة برب موسى وهارون. والسحرة كانوا من صلب الشعب وليس من كهنة فرعون. وقد انصرف المصريون لحالهم، وربما صدقوا- مثل السحرة- بإله موسى، ولكن منعهم من الإفشاء بمكنون إيمانهم الخوف من بطش الفرعون، وليس تمجيده أو تقديسه. المصرى لا يقدس بل يصبر.
لقد استند الخطاب المتشدد لهذا الوهم وهو يؤسس لفكرة «الحاكمية». وأشار منظروه إلى أن العبودية الحقة تعنى التسليم الكامل لله عز وجل، واستشهدوا فى ذلك بالواقعة التى دخل فيها ربعى بن عامر على كسرى فارس فسأله الأخير: مَنْ أنتم؟!. فرد عليه قائلًا: «نحن قوم بعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام»، ويرى المتشددون أن هذا الكلام يعد تفسيرًا للآية الكريمة التى تقول: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ». وحقيقة الأمر أنه لا يوجد بشر يعبد بشرًا، وإنما يظهر فى الحياة بشر يحلمون بأن يعبدهم الآخرون ويتبعون خطواتهم، ويؤمنون بأفكارهم ويسلكون مسلكهم فى الحياة. قد تجد لأمثال هؤلاء تابعين كثيرين، لا يسوقهم الإيمان قدر ما يحركهم الخوف من ذلك البشر المتأله الذى يريد من الجميع السمع والطاعة له. قد تسمع من هؤلاء التابعين كلامًا يشى بأنهم عبيد لذلك المتأله، لكنهم يرددون الكلام بألسنتهم لا يجاوز حناجرهم، أما القلوب فلا سلطان عليها إلا لمقلب القلوب، وكذلك الأرواح لا سيطرة عليها إلا لخالق الأرواح. المتشددون يخطئون فى قراءة المشهد الذى يعيشون فيه حين يتهمون غيرهم بعبادة المتألهين، وينسون وهم ينسجون هذه الأفكار أنهم يلعبون نفس اللعبة التى يلعبها غيرهم من المتألهين، وأنهم لا يريدون إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، بل يريدون أن يخرجوهم من عبادة غيرهم إلى عبادة فكرتهم والسير على منهاجهم.
لو تأمل المتشددون قصة فرعون موسى بأناة، لأدركوا حجم الخطأ الذى وقعوا فيه. فقد أعلن فرعون نفسه إلهًا للمصريين: «وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِى»، لكن القرآن لا يذكر أن المصريين صلوا وصاموا وقاموا باسمه، ما يذكره القرآن أنهم أطاعوه، ويفسر ذلك باستخفاف فرعون لهم من ناحية، وفسقهم- وليس كفرهم أو جاهليتهم- من ناحية أخرى. يقول تعالى: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ». والقرآن يذكر أن من بين المصريين من رفض هذا السفه الفرعونى، كما يظهر فى قصة مؤمن آل فرعون «وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ»، كان الرجل مؤمنًا، لكنه لم يعلن إيمانه خوفًا من بطش فرعون، نصح قومه قدر ما استطاع، ثم فوض أمره إلى الله تعالى، وتذكر آل فرعون كلامه عندما حلت عليهم عقوبة الله فأغرقهم أجمعين. «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».