رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حضرة الكبار».. أسرار رجال الفن والسياسة مع شيوخ الصوفية

سمية الخشاب و احمد
سمية الخشاب و احمد سعد و عمرو سعد مريدون الطريقة التيجانية

غريب عالم الصوفية، غريب وملهم فى نفس الوقت، خصوصا إذا قيل لك إنه قد يجمع بين الوزير أو السفير أو النجم السينمائى المشهور، وبين الدرويش البسيط، جنبًا إلى جنب على «فرشة» حضرة صوفية واحدة، بل إنه من الممكن تصور أن تطبع أفواه كل هؤلاء قبلات المحبة والامتنان على يد واحدة لقطب صوفى كبير.

ولا تجذب ساحات أقطاب الصوفية «الغلابة» والعاديين فقط، بل إنها تبدو مقصدا دائما لرجال الفن والسلطة فى مصر، إذ يعج الوسط الصوفى بالكثير من هؤلاء، الذين أصبحوا بين عشية وضحاها مريدين فى «الحضرة الإلهية».

«الدستور» تسلط الضوء على هذه العلاقة المثيرة للدهشة والتحليل، والتى تجمع بين «أهل المدد» والمشاهير والشخصيات العامة.

أم كلثوم انتمت لـ«الشاذلية».. وسعد وسمية أتباع لـ «التيجانية»
ملايين من داخل مصر وخارجها يقصدون ساحات الصوفية، ومن بين هؤلاء أهل الفن، فهم «جزء أصيل من المريدين الذين يأتون إلى شيوخ الصوفية لأخذ البركة منهم والتوبة على أيديهم»، بحسب الدكتور سيد مندور، القيادى بالطريقة «السمانية»، الذى كشف عن أسماء بعض هؤلاء من محبى الصوفية وأتباعها.
ويرى «مندور» أن ما يدفع الفنان لقصد الصوفية هو طلب العون والمغفرة والتوبة من الله عز وجل، لأن «جميع أقطاب الصوفية منتسبون لآل بيت النبى محمد».
ويضيف: «من الممكن أن يكون لدى الزائر تعب أو مرض مزمن، فيشفيه الله ببركة دعاء هؤلاء الأقطاب الذين وصلوا لمرتبة كبيرة وعلاقة عظيمة مع الله أكثر من أى أحد آخر»، حسب قوله.
ويكشف أن الكثير من الساسة والفنانين أخذوا العهد على يد شيوخ الصوفية وعلمائهم، ومنهم الفنانة المعتزلة شمس البارودى وزوجها الفنان حسن يوسف اللذان كانا مريدين للشيخ محمد متولى الشعراوى.
وبحسب «مندور»، فإن الفنان أحمد ماهر وشيخ المداحين أحمد الكحلاوى من أتباع الطريقة العزمية، بالإضافة إلى الفنان الراحل حمدى أحمد.
ومن الراحلين هناك السيدة أم كلثوم وتحية كاريوكا وشادية اللاتى انتمين للطريقة الحامدية الشاذلية، بعد أن جذبتهن روحانيات التصوف ووسطيته إليهن، وجعلتهن من محبى أهل المدد، حتى إن الفنانة مديحة يسرى تزوجت من شيخ الطريقة، إبراهيم سلامة الراضى، من شدة حبها له وللمنهج الصوفى الذى يتبعه الشيخ العارف بالله.
هذه عادة لم تنقطع فيما يبدو، لأن الكثير من الفنانين لايزالون يذهبون إلى ساحات المشايخ إلى الآن، فبحسب خالد الشناوى، عضو الطريقة «الأحمدية البدوية»، فإن الفنانين عادل إمام ويسرا وإلهام شاهين والمطربين محمد ثروت وهانى شاكر وإيهاب توفيق، من مريدى الشيخ صالح أبوخليل فى الشرقية.
«الساحة التيجانية» فى إمبابة كذلك تجذب الكثير من الشخصيات العامة، ووفقا لعمرو محمد، أحد أتباع الشيخ صلاح الدين التيجانى، شيخ الزاوية التيجانية، فإن سمية الخشاب وزوجها أحمد سعد وشقيقه عمرو سعد زوار دائمون للساحة، بجانب الفنان على الحجار والسيناريست عبدالرحيم كمال، والكاتب عمر طاهر، والمؤلف ناصر عبدالرحمن.
ويقول «محمد»: «جميعهم أحباب ومريدون للشيخ صلاح، يأتون كل يوم جمعة، ليجلسوا فى حضرته ويقرأوا الأوراد التيجانية ويذكروا الله»، لافتا إلى أن مريدى الشيخ داخل مصر بالآلاف، وغالبيتهم من المشاهير والعلماء أيضًا، فضلًا عن المريدين العاديين، الذين يكون جُلهم من الشباب.

وزيران ورئيس البرلمان صوفيون.. ومحلب والجنزورى زوار للمقامات
ارتباط قوى يجمع بين شيوخ الحضرات الصوفية ورجال السياسة، ارتباط يتقلب بين محبة أهل التصوف وبين البحث عن المصلحة فيما يبدو، أو على الأقل مباركة هذه المصلحة.
«وزيران فى الحكومة الحالية ينتميان للطريقة النقشبندية».. هكذا يقول عبدالباسط هارون، القيادى الصوفى بسوهاج، مضيفا: «النقشبندية من أبرز الطرق الصوفية التى تضم عددا كبيرا من المسئولين والمستشارين والقضاة، خاصة أن زعيمها هو المستشار محمد نجم الدين الكردى، رئيس محكمة الاستئناف السابق». بحسب «هارون»، فإن كثيرا من الوزراء والمسئولين والسفراء ينتمون لـ«النقشبندية»، ممن ينجذبون لها بسبب «منهجها الصوفى المعتدل الذى يجعلها تتفرد عن الطرق الصوفية الأخرى».
لكن الشيخ عبدالخالق الشبراوى، شيخ الطريقة الشبراوية، يقول بانتماء غالبية وزراء الحكومة وليس اثنين فقط، للطرق الصوفية، مضيفا: «وسطية وصفاء الصوفية جعلها أفضل التيارات الموجودة على الساحة الدينية حاليًا».
ووفقا لـ«الشبراوى» فإن عدم إعلان أسماء الوزراء المنتمين للطرق الصوفية يكون بناء على رغباتهم، وذلك خوفًا عليهم من تعرضهم للاغتيال على يد الجماعات المتطرفة أو مواجهة المسئولين الكارهين للصوفية، موضحا: «يجب توفير الحماية لهؤلاء الوزراء الصوفية لأن أعداءهم كُثر».
ويضم مجلس النواب الحالى أيضا عددا من المتصوفة، على رأسهم رئيسه الدكتور على عبدالعال، الذى ينتمى للطريقة الجعفرية، فيما ينتسب وكيل المجلس الدكتور محمود الشريف لـ«الرفاعية»، وجبالى المراغى، عضو المجلس، رئيس اتحاد العمال لـ«العزمية»، فى حين يترأس لجنة التضامن الاجتماعى بالبرلمان الدكتور عبدالهادى القصبى، وهو شيخ مشايخ الصوفية فى مصر، بحسب الدكتور سيد مندور.
يقول «مندور»: «هناك الكثير من الوزراء والمسئولين الراحلين والحاليين صوفية مثل الدكتور السيد البدوى، رئيس حزب الوفد السابق، والوزير أحمد عبدالهادى القصبى، محافظ الغربية السابق، وشيخ مشايخ الصوفية، والمهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق، الذى يشارك دائما فى مولدى السيدة نفيسة والسيدة زينب، ويجلس فى حضرة مشايخ الصوفية».
بجانب هؤلاء – كما يقول «مندور»- هناك الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى السابق، فهو من أتباع الطريقة الجازولية، ومحمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان الأسبق، الذى ينتمى للطريقة الشاذلية، ويمتلك ساحة كبيرة بجوار مسجد الإمام الحسين، يأتى إليها مريدو الصوفية من كل أنحاء مصر.
وقديمًا، فى الستينيات، كان حسين الشافعى، نائب رئيس الجمهورية فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، صوفيًا ينتمى للطريقة البدوية، وأيضا رئيس وزراء مصر الأسبق فى عهد الملك فاروق، محمد محمود باشا، كان من مريدى الطريقة العزمية، وفى العصر الحالى ينتسب اللواء مراد موافى، رئيس جهاز المخابرات الأسبق، للطريقة الشاذلية.
وفى أحيان كثيرة، يكون شيخ الطريقة هو العامل الأساس فى جذب المريدين الكبار إليها، وبحسب مصادر بعدة طرق، فإن الكثير من السياسيين دخلوا عالم التصوف على يد الشيخ صالح أبوخليل قطب الطريقة الخليلية، والشيخ صلاح الدين التيجانى، شيخ الزاوية التيجانية، والشيخ مختار الدسوقى، شيخ الطريقة الدسوقية.
عضو الطريقة «الأحمدية البدوية»، خالد الشناوى يقول إن «بعض رؤساء الأحزاب والمرشحين فى مجلس النواب يأتون لتقبيل يده حتى ينالوا البركة ويفوزوا فى الانتخابات»، مضيفا: «ساحتى الكبيرة بجوار مسجد أبوخليل فى الزقازيق بالشرقية يقصدها المئات من السياسيين وقادة الفكر والرأى فى مولده الذى يقام كل عام فى شهر أغسطس».
مصادر بالطريقة الخليلية كشفت عن هؤلاء السياسيين الذين كانوا يأتون للشيخ صالح أبوخليل، ومن أبرزهم الراحلون: حسين كامل بهاء الدين، وزير التعليم الأسبق، وسليمان متولى، وزير النقل الأسبق، وماهر أباظة، وزير الكهرباء الأسبق. ومن الأحياء، يذهب إلى «أبوخليل» الدكتور كمال الجنزورى، رئيس الوزراء الأسبق، وسامح عاشور، نقيب المحامين، وسامح فهمى وزير البترول الأسبق، وطاهر أبوزيد وأحمد شوبير، نجما الأهلى، والدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، والدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر السابق.

باحث: دليل على انفتاح الطرق.. والعزمى: تنسف أكذوبة «الدراويش بتوع الفتة»
«لماذا»، هذا السؤال يطرح نفسه بالطبع بعد كل هذا الاستعراض لأسماء محبى الصوفية من الساسة والفنانين. إنها ظاهرة، أو لنقل علاقة قديمة تعدت فكرة الظاهرة.
مصطفى زايد، الباحث والمهتم بالشأن الصوفى، يؤكد انتماء مسئولين كُثر فى الدولة لعالم المتصوفة، ويرى فى ذلك «جانبا إيجابيا يدل على انفتاح هذه الطرق الصوفية فى مصر، لأن الروحانيات والتصوف والزهد جوانب مضيئة وإيجابية تميز كل إنسان يعتنقها عن غيره، وتجعله قادرا على العمل والاجتهاد والعطاء».
ويقول «زايد»: «الطرق الصوفية فى مصر لا تسعى للحكم أو السيطرة على المناصب السياسية، لأن أبناءها وأتباعها موجودون فى كل مناصب الدولة، تربيهم وترعاهم».
هذا أمر أغفله الجميع خلال الفترة الأخيرة، بحسب الباحث فى الشأن الصوفى، الذى يوضح أن غالبية الطرق فى مصر تحوى المئات من رجالات الدولة والسفراء والوزراء، ولكن لا يُكشف عن ذلك، لأن «الرجل الصوفى من طبيعته عدم الافتخار بمنهجه أو تصوفه، لأنه يعتبر ذلك نوعًا من الرياء».
ويشير «زايد» إلى أن اللواء أحمد رشدى، وزير الداخلية الأسبق، كان من أتباع الطريقة الرفاعية، وكان يتولى خدمة المريدين بنفسه، ما يؤكد - فى رأيه- التواضع الذى كان موجودًا عند هؤلاء المسئولين والوزراء الذين ضربوا الكثير من الأمثلة فى أن التصوف الإسلامى لم يُستخدم يوما من أجل الدعاية أو الشهرة.
ويضيف: «الدكتور فاروق التلاوى، محافظ الوادى الجديد والبحيرة سابقا، كان من أتباع الطريقة التلاوية، وهناك مولد يُقام سنويا خاص بجده».
ولا يستغرب الدكتور عبدالحليم العزمى، الأمين العام للاتحاد العالمى للصوفية، انتماء وزراء ومسئولين فى الدولة للصوفية، قائلا إن مشايخ الطرق يربون مريديهم وأتباعهم تربية إسلامية صحيحة، بعيدة كل البعد عن التشدد الموجود لدى الجماعات والتيارات الأخرى.
ويوضح: «أبناء وأتباع الطرق الصوفية يتقلدون الكثير من المناصب فى مصر، وهذا أمر حسن، ويدل على أن أهل التصوف قادرون على قيادة الدولة والنهوض بها».
وفى رأى «العزمى»، فإن هذا ينسف أيضا أكذوبة أن الصوفية «دراويش وبتوع فتة»، لأن بينهم الأطباء والمهندسين والوزراء والمسئولين والفنانين.
ويلفت إلى أن غالبية الوزراء والمسئولين فى مصر هم صوفيون فى الأساس قبل أن يتولوا مناصبهم، الأمر الذى يجعلهم ـــ فى رأيه ـــ مجتهدين فى أعمالهم ويحاولون بكل الطرق تقديم أفضل شىء لديهم.