رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لسنا طلاب حكم.. قصة العبارة التي دمرت المسلمين

جريدة الدستور

- مسألة طلب الحكم ليست عيبًا أو تهمة يتبرأ منها صاحبها
- يوسف الصديق طلب من عزيز مصر أن يجعله على «خزائن الأرض»


رغم أن الحكم كان القضية الكبرى فى حياة المسلمين بعد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، فإن جملة «لسنا طلاب حكم» تكاد تكون الجملة الأكثر تكرارًا على ألسنة من جلسوا على كراسى السلطة ومن قاتلوا من أجل الوصول إليها عبر فترة طويلة من تاريخ المسلمين.

فقد ارتبطت عملية تفكك المسلمين إلى فرق تضم السنة والشيعة والخوارج وغيرها بمسألة الحكم، وتبنت كل فرقة منها وجهة نظرها الخاصة فى الطريقة التى يتم بها اختيار من يحكم المسلمين، ويجعلنا هذا الأمر نذهب إلى أن الخلاف بين الفرق الإسلامية اليوم يعكس فى جوهره نوعًا من صراع المصالح تتم تغطيته بألحفة دينية ينتصر بها كل طرف لوجهة نظره التى يبرر بها سعيه وراء مصالحه الخاصة، رغم إصراره باستمرار على أنه لا يستهدف من وراء سعيه هذا إلا خدمة الإسلام الصحيح، وليس الجلوس على كرسى السلطة والسلطان!
يناقض العقل المسلم نفسه حين ينظر -من زاوية مثالية- إلى مسألة طلب الحكم على أنها مستوى من مستويات طلب الدنيا، على أساس أن التمييز بين طلاب الدين وطلاب الدنيا هو أحد المبادئ التى ارتكزت عليها دولة الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى المدينة المنورة. ففى أعقاب بيعتى العقبة الأولى والثانية، شرع النبى، صلى الله عليه وسلم، فى وضع الأسس الأولى للفصل بين مفهومى طلاب الدين وطلاب الدنيا، كما يظهر فى قوله، عليه الصلاة والسلام، «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه». ولم يكن المقصود فى هذه الحالة هو الفصل التعسفى ما بين طرفى هذه المعادلة «الدين والدنيا»، بل كان المقصود هو التفرقة بين صنفين من البشر، أولهما يريد أن يقيم أمور الدنيا على أحكام الدين، وثانيهما يستهدف المواءمة بين الدين وأحكام الدنيا.
وقد استقر المسلمون على النظر إلى فترة الخلافة الراشدة «حكم أبوبكر وعمر وعثمان وعلى، رضى الله عنهم» على أنها كانت الفترة الأمثل فى الحكم بعد وفاة النبى، وأنها تشهد على بشر أرادوا أن يقيموا أمور الدنيا على أحكام الدين «وهو كلام حق». وأمام الرغبة فى تقرير هذه الحقيقة يؤكد العقل المسلم باستمرار أن أيًا من الخلفاء الأربعة لم يكن من طلاب الحكم، وأنه رضى بحكم المسلمين على غير رغبة منه لمجرد درء الفتن والصراعات.
فالمؤرخون ينقلون عن أبى بكر، رضى الله عنه، قوله بعد اختياره خليفة للمسلمين «والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة قط، ولا كنت راغبًا فيها، ولا سألتها الله فى سر ولا علانية، ولكننى أشفقت من الفتنة». أما عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فقد كان يردد قبل وفاته «كفى آل الخطاب عمر» لمن ينصحه بأن يوصى لابنه بالخلافة من بعده. والعقل السنى وهو يؤكد باستمرار حقيقة أن أيًا من عمر أو أبى بكر لم يكونا طلاب حكم، إنما أرادا الرد -بصورة واعية أو غير واعية- على العقل الشيعى الذى أراد أن يلصق بهما هذه الصفة -وكأنها تهمة- فى سياق احتجاجه بأن الولاية بعد رسول الله كانت حقًا خالصًا لعلى بن أبى طالب نازعه فيه كل من أبى بكر وعمر.
البعض يتعامل مع مسألة طلب الحكم على أنها عيب أو تهمة ينبغى نفيها عن الصحابة الأجلاء، رضوان الله عليهم، رغم أنها ليست كذلك، فيوسف الصديق عليه السلام طلب من عزيز مصر أن يجعله على خزائن الأرض «قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم». فطلب المنصب هنا أمر لا يُلام عليه من يجد فى نفسه القدرة والموهبة، ومن تثبت التجربة أنه الأجدر بالوجود فى هذا المكان. وجانب أساسى من جوانب الفساد والتراجع فى تاريخ المسلمين -وفى حاضرهم أيضًا- ارتبط بتلك المأساة، مأساة أن يولى الأمر لغير أهله. وقد أمر الله تعالى بأن تؤدى الأمانات إلى أهلها «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها». وقال النبى، صلى الله عليه وسلم: «إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة، قيل وما علاماتها يا رسول الله، قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة».