رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النبى الإنسان حامل الخير للبشرية


لم يكن النبى، صلى الله عليه وسلم، يرغب فى سلطة أو حكم أو مُلك، وإنما كان يريد نشر القيم والأخلاق والفكر المستنير، بلا عنف أو تطرف، فكان العلم والإبداع والإيمان والحب والخير والسعادة هى أهم المعانى التى اصطبغ بها المسلمون الأوائل، والتى شكلت النواة لبناء حضارة المسلمين.
لكن سيرة النبى تعرضت خاصة فى المائة عام الأخيرة لظلم كبير، بسبب التركيز على الغزوات التى خاضها فى حياته، على الرغم من أنها لا تمثل الجانب الأكبر من سيرته، بينما إغفال الجانب الإنسانى الأهم فى حياته، والذى من أجله أرسله الله إلى العالمين، «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، ما كون انطباعًا لدى المسلمين أن القراءة السياسية والعسكرية هى فقط سيرة النبى، وصورها المتطرفون على أنها قتل وحرب ودماء.
وكان ذلك بسبب أن كتّاب السيرة اختزلوا حياة النبى فى الغزوات التى غزاها، من هنا، تشتد الحاجة الآن أكثر من أى وقت مضى إلى ضرورة التركيز على الجانب الأهم فى حياة النبى، وهو الجانب الإنسانى منها، من خلال رؤية جديدة للسيرة النبوية تنظر إلى الجانب الحياتى فى سيرته المباركة، تسلط الضوء عن قرب حول معانى الرحمة والبناء والتسامح والخير والعاطفة وإصلاح الإنسان من داخله.
فليس هناك من إنسان على وجه الأرض جمع الله له فى حياته كل ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلا النبى، صلى الله عليه وسلم، وهذه من معجزاته، لأنه عاش حياة الغنى والفقر، الحاكم والمحكوم، الأعزب والمتزوج من امرأة وأكثر، زوج بناته ودفن أولاده، اشتغل أجيرًا عند الناس، وفى الوقت ذاته كان صاحب عمل، وغير مهنته ٣ مرات.
ومن يبحث فى السيرة سيجد فيها كل اهتماماته واحتياجاته، ولو تأملت قول الله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ»، لعلمت أن الرسول موجود بيننا، وإنما سميت السيرة سيرة، لأنك تسير بها فى الحياة، وتجد فيها ما يلبى احتياجات العصر وحتى مع تغير الأزمان، وهذه من معجزات النبى.
«لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»، آية تباينت التفسيرات حولها، فالعرب قالوا: إنه من أنفسنا لأنه من العرب، وقريش قالت: بل من أنفسنا، والعلماء قالوا: من أنفسنا نحن لأنه سيد العلماء، والحقيقة أننا لو تأملناها لوجدنا معناها: أن النبى قريب منا، يشعر بنا، يسكن فى أعماقنا، نتزوج على سنته، وندفن على ملته.
وحب النبى هو مدخل السيرة بل مدخل الحياة كلها، لأنك لن تستفيد من سيرته إلا إذا أحببته، فالحب يؤدى إلى إعجاب، إلى انبهار، إلى اتباع، «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ»، والنبى يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه وأهله وولده وماله».
ومن ذلك أنه لما كان عمر بن الخطاب يسير بجوار النبى، فإذا به يقول له: «والله يارسول الله أنت أحب إلىّ من أهلى وولدى ومالى»، فقال له النبى: «ونفسك يا عمر»، قال: «لا يارسول الله»، فقال النبى: «لا يا عمر. لا يكتمل إيمانك حتى أكون أحب إليك من نفسك»، فسكت عمر، وقال: «والله لأنت الآن أحب إلىّ من نفسى» فقال له النبى: «الآن يا عمر».
حب النبى هو الذى سيجعلك تقلده فى أخلاقه، لأنه أعظم خلق الله أخلاقًا «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وأعظم الناس رحمة وتسامحًا «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، وهو أعظم الناس إنجازًا بشهادة الغرب «الخالدون مائة وأعظمهم محمد»، فمن أحبه سار على نهجه وقلده فى رحمته وتسامحه، وحقق إنجازًا.
والنبى كانت لديه القدرة على استخراج السمات المميزة لكل شخص، ويعرف إمكانياته ويوجهها بشكل صحيح.. يقول: «أرحم أمتى بأمتى أبوبكر وأقواهم فى الحق عمر، وأكثرهم حياءً عثمان، وأمين هذه الأمة أبوعبيدة، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل».
فالإسلام يريد مجتمعًا ينجز، ينتج، ينهض بسواعد أبنائه، وليس مجتمعًا يتكلم أكثر مما يعمل، والله تعالى يقول: «آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»، أى انتجوا.. بنوا.. عمروا.. أصلحوا.. هذا هو ديننا.. هذا هو ديننا.. دين إيجابى بنائى، لا يدعو إلى الاتكال، ولا يحب المتكاسل، بل هو دين يدعو إلى الحركة، «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»، إنه الدين الذى يريد الخير للإنسانية دون تفرقة أو تمييز بن البشر.