رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن صفقة ترامب المفضوحة


ما الذى يخطط له دونالد ترامب الرئيس الأمريكى لطرحه «خطة سلام» مزعومة فى القريب؟!، وأى تسويات تلك التى قد تتم تحت ترغيب بذهب المعونات المالية الكبرى للسلطة الفلسطينية، أو ترهيب بسيف العزلة واستمرار الانحياز الكامل لإسرائيل، على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة، وصلت لمقاطعة أمريكا اليونسكو بعد اعتراف المنظمة الدولية بدولة فلسطين ورفع علمها بها، لتكون أول منظمة تابعة للأمم المتحدة تعترف بالدولة الفلسطينية.

ترامب رجل الأعمال الذى يدير ملفاته السياسية بقواعد الشركات، يقيل رئيس أهم وكالة استخبارات فى العالم CIA عبر تويتر، وكأنه يقيل موظفًا فى إحدى شركاته، يخطط لما أطلق عليه إعلاميًا «صفقة القرن»، وهذه «الصفقة» – بلغة البيزنس – التى يجيدها السيد ترامب من المفترض أن تتم من خلالها تسوية نهائية للقضية الفلسطينية، لكن كل ما نشر عن هذه التسوية المنتظرة يؤكد أن المطروح هو «تصفية القضية» وليس تسويتها!.

منذ أيام خرجت علينا القناة الثانية الإسرائيلية نقلًا عن مسئول سياسى كبير فى إسرائيل – حسب القناة – أن دونالد ترامب سيطرح «خطة سلام» بعد تدشين السفارة الأمريكية فى القدس المقرر له ١٤ مايو المقبل، بالتوازى مع احتفال إسرائيل بما يطلق عليه «عيد الاستقلال» الذى نسميه كعرب «النكبة»، حين أعلن مجرم الحرب ديفيد بن جوريون ما سماه دولة إسرائيل فى ١٥ مايو ١٩٤٨م، وفى نفس السياق من المنتظر أن يصل إلى إسرائيل خلال أيام وزير الخارجية الأمريكى الجديد مايك بومبيو، حيث سيعرض «أموالًا مجزية» على السلطة الفلسطينية – بلغة ومنطق الصفقة – للعودة لطاولة المفاوضات، التى ستأتى بعد سلسلة سابقة من مفاوضات حلقة مفرغة منذ مؤتمر مدريد ١٩٩١م، ثم اتفاق أوسلو ١٩٩٣م، وصولًا لشرم الشيخ ٢٠٠٠م، وانتهى مسار ما أطلق عليه «عملية السلام» إلى مجرد «عملية» بلا أى سلام!، حيث تم الاتفاق على تأجيل كل القضايا المهمة، التى تمثل صلب وجوهر القضية الفلسطينية إلى ما أطلق عليه «مفاوضات الوضع النهائى»، وهى قضايا (القدس، وعودة اللاجئين، والمياه، والحدود، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية)، وليس خافيًا أن كل تلك القضايا التى تم تأجيل التفاوض فيها، وهى صلب القضية وجوهر أزمتها، قام الاحتلال الإسرائيلى بفرض واقع جديد على الأرض فى كل قضية منها، فالقدس كاملة جرى اعتبارها عاصمة لإسرائيل، وباعتراف ومباركة أمريكية، وتضخمت المستوطنات داخل الأراضى المحتلة لتأكل ما تبقى من فتات رُمى للسلطة الفلسطينية على أمل إقامة الدولة الفلسطينية عليه!، واللاجئون تشتتوا فى بقاع الأرض سنوات وسنوات، وفقدوا أى أمل فى العودة، وتسيطر إسرائيل على كل الموارد المائية... إلخ، إلخ.

ماذا يتبقى حتى يتم التفاوض عليه، اللهم التفاوض من أجل التفاوض، وصفقات مالية تضيع ما تبقى من حقوق!. يا سيد ترامب أفضل للجميع أن تستعمل تعبير «الصفقة» فذلك أوقع كثيرًا من تعبيرات عملية السلام وخطة السلام، فنحن نعلم مشاكلك الداخلية، ومحاولاتك المستمرة لكسب تأييد اللوبى الإسرائيلى فى الداخل، ففى مؤتمر صحفى مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحدث ترامب بصراحة عن نقل سفارة أمريكا إلى القدس، مرجحًا احتمالية ذهابه وحضور الافتتاح قائلًا: «ربما أذهب أنا فخور جدًا بذلك.. القدس كانت موضوعًا للوعود منذ سنوات طويلة، كما تعلمون وعد كثيرون من الرؤساء بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقدموا وعودًا انتخابية كثيرة لكنهم لم يمتلكوا الشجاعة لنقلها، أنا فعلتها ولذلك ربما أذهب». بوضوح يؤكد ترامب حديثه للوبى الإسرائيلى فى الداخل أنه الوحيد الذى نفذ وعده بنقل السفارة للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.

ومن هنا يبدو المشهد شديد الوضوح، فشل تام لمسار أوسلو وخط ما أطلق عليه المبادرة العربية للسلام، ومن سيتبنى عربيًا خلال شهور تصورات ترامب لما يطلق عليه «سلام» تارة و«صفقة» تارة، علينا أن نسأله ماذا كان نصيبه من ذهب هذه الصفقة وسيفها؟!.