رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا وزير التعليم.. لماذا اخترت الأبنودى وحده؟


تدور المفاوضات بين الإعلامية نهال كمال، أرملة عبدالرحمن الأبنودى، ووزارة التربية والتعليم لتدريس أعمال الأبنودى فى المدارس. وقد أعلن أحمد خيرى، المتحدث الرسمى باسم الوزارة، أن الوزير طارق شوقى سيعقد اجتماعًا مع نهال كمال لمناقشة المقترح واتخاذ القرار. من ناحيتها وعدت الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، بتبنى تدريس كتاب الأبنودى «أيامى الحلوة» لدى التعليم.
يثير ذلك الخبر عدة قضايا خاصة بالتعليم والثقافة وكلها غاية فى الأهمية. أولا: هل نحن إزاء عملية تطوير للمناهج بحيث تشتمل على إبداع شعراء العامية؟، أم أننا إزاء اختيار شاعر بعينه، لأسباب بعينها، هو الأبنودى، دون جميع شعراء العامية العظام وفى مقدمتهم: بيرم التونسى وبديع خيرى وفؤاد حداد وصلاح جاهين وفؤاد قاعود حتى أحمد نجم؟.
الواضح حتى الآن أننا لسنا إزاء تطوير مناهج التعليم بل إننا نقف أمام اختيار شاعر بعينه، لاعتبارات خاصة تتعلق بتكريم الدولة المستمر له تقديرا لمواقفه. فى هذا الإطار يذكر أن الأبنودى هو أول شاعر عامية يحصل على جائزة الدولة التقديرية عام ٢٠٠١ زمن مبارك. ووصل الأمر بعد وفاته منذ ثلاثة أعوام حد أن محافظ الإسماعيلية طرح مشروعًا لإقامة تمثال وميدان ومتحف باسمه فى الإسماعيلية. أقيم أيضا «متحف ومركز الأبنودى للسيرة الهلالية» وافتتح فى مايو ٢٠١٥. أخيرا قررت مكتبة الإسكندرية هذا العام أن تطلق جائزة شعر العامية باسم الأبنودى، فضلا عن طباعة أعماله أكثر من مرة كاملة فى هيئة الكتاب. وفى الوقت الذى لقى فيه الأبنودى كل ذلك التكريم تهدم بيت بيرم التونسى فى الإسكندرية ولم يجد أحدا يدافع عن ترميمه أو تحويله إلى متحف، بل تحول بيت سيد درويش، رائد النهضة الموسيقية، إلى حظيرة ماعز فى كوم الدكة دون أن تسعى جهة ثقافية رسمية لتحويله إلى متحف.
أما عن الأبنودى فيجوز القول بملء الفم إننا أمام شاعر لم يظلم، ولم تهمله مؤسسات الدولة الرسمية. والآن حينما يقررون تدريس عمل ما لشاعر عامية فإنهم لا يجدون سوى الأبنودى. أين ذهبت عبقرية فؤاد حداد؟ وعبقرية صلاح جاهين؟، أم أنه لم يعد لأحد من الاثنين واسطة ومعارف فى الدولة؟. أتوقف هنا لأقرر بوضوح أننى أعلم تماما قدر الأبنودى شاعرا، مجددا، لا يتكرر، وليس هذا ما أناقشه هنا، لكنى أناقش الأساس الذى يتم بناء عليه اختيار «البعض» لإدراج أعمالهم فى التعليم وتحاشى البعض!. أناقش أيضا أن تجديد مناهج التعليم يجب ألا يخضع للانتقائية، أو العشوائية، التى تتخير أسماء دون الأخرى، إذ إن تجديد مناهج التعليم يجب أن ينهض على مشروع ورؤية ثقافية كاملة، لا يعنيها هنا هذا الاسم أو ذاك تحديدا، بل يعنيها ضخ دماء جديدة فى مناهج التعليم المتهافتة التى تمشى إلى العقول بالكاد وتتنفس بصعوبة من وطأة أتربة وغبار القدم.
ومادام الشىء بالشىء يذكر، فليسمح لى وزير التربية والتعليم، إن كان لديه من الوقت ليقرأ ما نكتبه، أن أشير إلى بعض مشكلات التعليم الحقة التى هى فى أمس الحاجة إلى نظرة شاملة. وقد أثارت تلك المشكلات زيارتى منذ أيام لمنزل صديقى حسام حبشى، وحينذاك وقفت حفيدته الصغيرة «ليلى» أمامى، مضطربة، مرتبكة، تشكو لى ببراءة من أنها تتكلم لغة فى البيت (تقصد العامية) وتدرس لغة ثانية فى المدرسة (تقصد الفصحى)!
أظن أنه آن الأوان للوزارة لكى تفكر فى حل لتلك المشكلة التى تواجه معظم الصغار، حل يقع ضمن رؤية ثقافية لتطوير مناهج التعليم، ويعالج كيفية التقريب بين العامية والفصحى فى المدرسة وفى كتبها وعلومها.
وطالما دعا توفيق الحكيم إلى عربية سهلة، وطالما وجد يحيى حقى كنوز الفصحى فى تراب العامية. الأمر فقط بحاجة إلى ما تقولون عنه: «تطوير مناهج التعليم»، وذلك لن يتم دون الاستعانة والاستفادة بخبرات الأدباء والكتاب. على حد علمى أيضا أن المواد الأدبية ما زالت تبدأ تعليم الشعر بدءا من الشعر الجاهلى، أى أنها تبدأ من الأصعب، بينما ينبغى على العكس أن نبدأ مع أطفالنا بالشعر الحديث السهل: إبراهيم ناجى، أحمد حجازى، محمود حسن إسماعيل، وغيرهم، ونتدرج منه وصولا إلى الصعب. هذه بعض القضايا التى تحتاج إلى رؤية شاملة وليس إلى تكريم شاعر بعينه وتدريس أعماله وحده لاعتبارات خاصة، لأن ذلك لا يحل شيئا من مشكلات التعليم.