رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالفيديو والصور.. «الدستور» يخترق عالم تجارة الآثار «أونلاين»

جريدة الدستور

في الوقت الذي تسعى فيه الدولة للحفاظ علي الآثار المصرية ومحاربة عصابات الاتجار بالآثار من خلال سن القوانين التي تجرم بيعها وشرائها وتغليظ العقوبة، ظهر نوع جديد من تُجّار الآثار الذين وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي ضالتهم للإعلان عن ما يمتلكونه من قطع أثرية، لعرضها للبيع وتبادل المعلومات عن كيفية اكتشاف الآثار الحقيقية والدلائل التي تحملها القطع للتأكد من كونها مُقلدة أم أصلية، وعن كيفية معرفة وجود مقبرة أثرية وكيفية فتحها للحصول علي ما تحتويه من آثار، وأساليب التعامل مع الوسطاء، وما يسمي بـ"الشيخ" أو المسئول عن فتح المقبرة والتعامل مع "الرصد" المُكلف بحماية المقبرة.

في هذا التحقيق اخترقت «الدستور» العالم السري لتجار الآثار ورصدت العديد من عمليات البيع الإلكتروني بين التجار من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

يقول المستشار القانوني محمد صالح، أحد سكان منطقة غرب الأقصر: "إن عمليات التنقيب عن الآثار في شتى المناطق أوشكت علي الاندثار في ظل الإجراءات الأمنية المشددة علي المنقبين والباحثين عن الآثار بالإضافة إلي انتشار وقائع النصب التي يمارسها متخصصون في ممارسة الاحتيال لإقناع الشخص بوجود آثار أسفل منزله، وبعدة طرق يبدأون في ممارسة الدجل والشعوذة، للحصول علي مبالغ مالية كبيرة من الضحية مقابل استخراج الكنز وفي نهاية المطاف يجد المنقب نفسه وقع ضحية لعملية نصب كبرى سلبته كل ما يمتلكه".

وأضاف صالح أن عملية التنقيب عن الآثار تقوم علي 3 أطراف هم المنقب عن الآثار، والوسيط، والشيخ، غالبًا ما يمتلك المنقب مكانًا يقع بجوار منطقة أثرية، وهذا ما يشعره بأن تحت أرضه كنوزًا فرعونية، ومن هنا تنطلق رحلة البحث عن تحقيق "حلم صعب المنال" الذي يراود الكثيرين من ضعاف النفوس لتحقيق الثراء السريع ولو كان علي حساب تاريخ وحضارة بلدهم.

وتابع صالح حديثه لـ«الدستور» قائلًا: "الخطوات الأولي تبدأ بلجوء المنقب للاستعانة بالوسيط للوصول إلي ما يسمي بـ(الشيخ) والذي يدعي أن لديه أساليبه الخاصة لاستخراج الكنوز المدفونة بباطن الأرض والسيطرة علي حارس المقبرة (الرصد)، المُكلف بحماية المقبرة بالرغم من إنكار علماء الآثار بوجود الرصد إلا أن الكثير من الروايات المتناقلة بين الأهالي تؤكد علي حقيقة وجوده، حيث أن المصريين القدماء كانوا يستعينون بالجان لحماية مقابرهم من اللصوص بتلاوة التعاويذ لحماية مقابرهم، ولذلك يدعي الشيوخ معرفتهم بالسحر السفلي أو أنهم أصحاب (كتاب)، وقديمًا ارتبط اسم الشيخ بالمغاربة حيث كان يوفد للأقصر الكثير من المشايخ المغاربة الذين كانوا يستخرجون الكنوز في بيوت الأهالي مقابل حصولهم علي نسبة مما يجنوه، ولكن في ظل التضييق الأمني علي المنقبين عن الآثار اختفى المشايخ المغاربة من مصر، وبدأ ممارسو النصب والاحتيال في تأدية دورهم برحلة البحث الشاقة عن الآثار".

ويروي صالح القصة الأكثر تداولًا بين الأهالي حتي الآن، رغم وقوعها منذ سنوات، وتقول إن أحد الأهالي استعان بأحد المشايخ لاستخراج كنز بداخل منزله، ووقع الاتفاق بين الطرفين وتعهد الشيخ في بداية الأمر أن يأتي متطوعًا للتأكد من حقيقة وجود كنز فرعوني أم لا بداخل منزل المنقب، وبعدة أساليب أقنعه الشيخ بأن في منزله كنز ثمين للغاية، إلا أن هناك مشكلة واحدة تواجهه وهي "الرصد"، أي حارس المقبرة وللسيطرة عليه لابد من استخدام "الطقش المغربي" وهو نوع من البخور يباع الجرام الواحد منه بآلاف الجنيهات، وخلال عملية "التعزيم" أو تلاوة بعض النصوص التي تسيطر علي الجان وقع أحد الأشخاص المصاحبين للشيخ جثة هامدة علي الأرض وكان ذلك بدافع انتقامي من الجن، وهنا عرض الشيخ علي المنقب التخلص من الجثة عن طريق إعطائه سيارته ومبلغًا كبيرًا من المال للتخلص من الجثة ودفنها بمنطقة جبلية، وبعد فترة كبيرة يزور المُنقب محافظة قنا ليرى بالصدفة ذلك الشخص الذي سقط قتيلًا حيًا يرزق ما دفعه إلي الإمساك به وتبليغ الجهات الأمنية، الأمر الذي كشف ما حدث.

وأضاف صالح أن من بين الأساليب المتبعة للنصب علي المنقب من جانب الشيخ هو إشعال النيران بمكان التنقيب بوضع مواد كيميائية قابلة للاشتعال بدعوة أن حارس المقبرة أشعل النيران، ليحصل علي مبالغ مالية طائلة من المنقب، مؤكدًا علي أن جميع عمليات التنقيب الحالية لا تخرج عن إطار النصب وأن مصيرها يبوء بالفشل.

وتلقي تجارة الآثار بشباكها علي عقول الباحثين عن الثراء السريع، ومحبي الآثار الذين هم علي استعداد لدفع الملايين من الدولارات لاقتناء قطعة واحدة من الآثار المصرية القديمة، ونظرًا لتضييق الأمني علي تجار الآثار ومنع خروج القطع الأثرية من الموانئ فإن 90% من عمليات البيع تتم داخل مصر، ويتم بيع قطع مقلدة من خلال خبراء في تزييف واستنساخ القطع الأصيلة، فسعر القطعة الواحدة من الآثار الأصيلة قد يصل إلي 5 ملايين دولارًا، ويختلف ذلك السعر بحسب القيمة التاريخية والمادة المستخدمة في تصنيع القطعة، أما القطع المزيفة فسعرها يتراوح ما بين 30 إلي 150 ألف جنيه، وذلك حسب جودة التقليد التي توقع بالمشتري في فخ النصب وتجعله عاجز عن التفرقة بين القطع المزيفة والأصيلة.

وفي محاولة فاشلة لتهريب الآثار كشفها جهاز كشف الأمتعة بمطار الأقصر الدولى عن وجود قطع أثرية متنوعة فى حقائب جويز ثاؤوديل، سائح بلجيكى، أثناء إنهاء إجراءات سفره على الرحلة رقم "4354" المتجهة إلى بروكسل وبتفتيش حقائبه تم العثور على 28 قطعة أثرية مختلفة منها عدد من تماثيل الأوشابتى وبعد تحرير المحضر اعترف المتهم بحيازته للأثار بقصد الدراسة العلمية، وأنه عثر عليها بمنطقة العساسيف.

وأشار تقرير أعدته اللجنة الفنية برئاسة سمية محمد لبيب، مدير عام المنافذ بآثار الأقصر، بناءً على قرار نيابة الأقصر لفحص المضبوطات التى تم العثور عليها مع ثاؤوديل، إلى أن المضبوطات كلها أثرية وممنوع تداولها طبقا لقانون حماية الآثار رقم "117" لسنة 1983، والمضبوطات عبارة عن 14 قطعة أثرية منها رأس تمثال لسيدة تمثال لسيدة وكسر فخاري مخروطي الشكل يحتمل أن يكون ختم طوله 10 سم وقطره 5 سم، 2 كسر فخاري مخروطي الشكل يحتمل أن يكون غطاء لإناء ارتفاعه 80 سم والقطر 5 سم بها تجويف، وكسر فخاري مخروطي الشكل عبارة عن غطاء لإناء ورأس تمثال لسيدة من الطين المحروق، قطعة من الحجر الجيري يحتمل أن تكون عتبا لباب وبقايا 7 عظام حيوانية وآدمية و4 قطع خشبية من بقايا توابيت، و2 قطعة صغيرة من الكارتوناج عليها بقايا ألوان، ومجموعة من قطع الكارتوناج الخاصة بالمومياوات مختلفة الألوان والمقاسات وحبل مجدول ولفائف مومياوات.

وأوصت اللجنة بمصادرة القطع الأثرية، وبعد إحالته للنيابة أمرت بتشكيل لجنه فنية من هيئة الآثار لمعرفة مدى أهمية المضبوطات وهل هى أثرية من عدمه؟، وبفحص القطع المضبوطة تبين إن 14 قطعة منها عبارة عن آثار مقلدة.

وبالرغم من حالة التضييق الأمني علي مهربي الآثار إلا أنهم اكتشفوا طريقًا جديدًا في عالم الإنترنت، من خلال مجموعات وصفحات علي موقع التواصل الاجتماعي للإعلان عن بيع الآثار ومن بين تلك الصفحات "تجار الآثار مضمون"، و"تجار الأثار"، و"أثار فرعونية وعملات أجنبية"، و"بيع وشراء الزئبق الأحمر والكنوز الأثرية الدفينة"، و"تجارة آثار فرعونية للجادين فقط ولتبادل المعلومات".

تتم عملية الإعلان بكتابة منشور يوضح الوسيط خلاله عن مواصفات القطعة التي يمتلكها، بالإضافة إلي الصور أو مقاطع فيديو لها، ووضع تاريخ اليوم افي الفيديو بجوار القطعة المعروضة كدليل علي مصداقية الفيديو وعدم تزييفه، ومن ثّم يطلب الوسيط أو البائع من التجار الآخرين القدوم للتأكد من مدي آثرية القطعة من خلال الاستعانة بخبير للآثار.

أما عن أسعار بيع القطع فتختلف بحسب مدي أهمية القطعة المعروضة، وبسؤال أحد المهتمين بشراء الآثار، الذي رفض ذكر اسمه، أكد علي أن معظم القطع المتداولة علي مواقع الإنترنت مزيفة، إلا في حالات قليلة جدًا، فمن السذاجة مخالفة القوانين بشكل علني إلا أن البعض من السُذج يقعون ضحية لذلك.

وأضاف أن القطع الأثرية الحقيقة يتم التعرف عليها من جانب خبراء الآثار فقط، أما القطع التي قد تباع علي أنها أثرية فإنها لا تخرج عن إطار النصب والاحتيال حيث يتم الاستعانة بالنحاتين بمنطقة القرنة لمهارتهم في النحت لصناعة التماثيل ذات الدقة المتناهية، وتكسير أجزاء بسيطة منها ودفنها في التربة لمدة محددة حتي يكتسب رائحة التربة وبذلك لا يمكن تفرقته عن الآثار الحقيقية.

وأكد مصدر أمني لـ«الدستور» أن ممارسة تجارة الآثار باتت أمرًا شاقًا للغاية فالعديد ممن يسعون لاقتناء قطع أثرية يقعون بدائرة النصب والاحتيال، وبسبب العقوبة التي يفرضها القانون علي تجار الآثار.