رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنقذوا الأرض الزراعية من اللصوص وأصحاب «الكروش» العفنة


مع ملاحظة توفير بدائل مناسبة للحالات التى تستحق المساعدة من الفقراء ومعدومى الدخل.. الذين بنوا مساكن متواضعة تأويهم.. أما أصحاب الضمائر الخربة و«الكروش» العفنة فلا مجال للتصالح أو التعاطف معهم.. والسؤال الأخير.. كيف ستتعامل حكومة قنديل مع أكثر من 900 ألف حالة تعد على المساحة الخضراء؟؟

«إلا إن قدر الإله مماتى.. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى.. ما رمانى رام وراح سليما.. عناية الله جندى».. من منا لم يستمع بهذه الكلمات الرائعة لكوكب الشرق وسيدة الغناء العربى أم كلثوم؟؟.. لقد سمعت هذا الصوت الملائكى أثناء سفرى من القاهرة إلى المنصورة فى سيارة بيجو سبعة راكب.. وفى منتصف الطريق وقف السائق عند مدينة كفر شكر بعد أن استأذن الركاب فى الاستراحة على مقهى لمدة 15 دقيقة.. وأوقعنى حظى العاثر أن أجلس بجوار رجلين اتضح أنهما من لصوص الأراضى الزراعية.. الأول يدعى الحاج سامى 60 سنة تقريبا ـ والثانى يدعى المعلم عماد ـ 55 سنة ـ على أكثر تقدير ونظرا لأهمية وخطورة حديثهما.. وجدت فضولى الصحفى يطغى على طباعى وعاداتى وتقاليدى فى التنصت على الرجلين.. فقال سامى لعماد إنه ربح حوالى ثلاثة ملايين جنيه خلال العامين الماضيين من تجارة الأراضى الزراعية التى اشتراها و«سقعها» ثم باعها مبانى بعد أن قام بتقسيمها إلى قطع وشوارع.. وهنا نظر إليه عماد وقال: اللهم لا حسد ياحاج سامي.. بس الناس اللى اشتروا منك الأرض.. هيقدروا يبنوا عليها ويدخلوا لها كهرباء وصرف صحى ومياه رغم علمى بأن هذه الأرض خارج كردون المبانى؟!.. فرد عليه سامى قائلا: شوف يا معلم عماد.. كل شيء النهاردة بيمشى بالفلوس.. الولاد بتوع مجلس المدينة والكهرباء والمياه والتليفونات دول أولادنا ولا يمكن أن يرفضوا لنا أى طلب.. وكل قطعة أرض بعتها ساعدت صاحبها فى كل هذه الخدمات، وهنا علق عماد قائلا: والله عندك حق.. الفلوس النهاردة أصبحت كل شيء ياحاج.. معاك قرش تساوى قرش واللى ما معهوش ما يلزموش.. وأثناء حديثهما أخرج عماد هاتفه المحمول ونظر إليه والسعادة تعتلى وجهه.. وبسرعة البرق رد قائلا: نعم يا باشا.. سعادتك تأمرني.. عندى طلبك ولا تحمل هم.. فيه قطعة أرض مساحتها خمسة أفدنة إنما إيه.. حاجة مخصوص لك يا باشا واعتبرهم بتوعك خلاص.. وتابع عماد: شوف يا باشا.. الأرض دى إحنا «مسقعنها» من سنتين.. يعنى جاهزة لأى مشروع استثمارى بس سعادتك تدفع فلوسها وتكتب عقدها وتوثقه وبعد كده بفلوسك هتخلص أى إجراءات سعادتك عاوزها.. وبعد أن أنهى عماد مكالمته.. سأله سامي: مين الزبون «السقع» ده يا معلم؟؟.. فرد عماد عليه: ده واحد من اللى سافروا للخارج وعلى صلة وطيدة بأمراء دويلة قطر.. ناوى يعمل مشروع على الطريق السريع ما بين القاهرة والإسكندرية مثل سلسلة المطاعم الأمريكاني.. و«مول» كبير وفندق خمس نجوم كمان.

وأثناء متابعتى لهذا الحوار «الكارثي» فوجئت بصوت السائق ينادينى ويتعجلنى بالركوب حتى نكمل مشوارنا وقبل أن أغادر المكان نظرت للحاج سامى والمعلم عماد فى سرى وقلت.. الله يخرب بيوتكم يا أولاد الـ «....» ثم ركبت السيارة واستكملت طريقي.. ومنذ هذا الموقف ظل فكرى شاردا ونفسى تحدثنى عن الخراب والدمار والاغتصاب والسرقة الذى تعرضت وتتعرض لها الرقعة الزراعية على يد هؤلاء اللصوص ومن على شاكلتهم.. وطرحت على نفسى السؤال التالي: أين الأمن من هذه الجرائم التى تحدث عينى عينك؟ ثم رجعت بذاكرتى إلى العهد البائد وتذكرت كيف نهب رجال مبارك وابنه أراضى الدولة الزراعية والصحراوية بنفس الأساليب القذرة.. وخير شاهد على ذلك 40 ألف فدان من أجود الأراضى الزراعية فى منطقة العياط التى استولت عليها الشركة المصرية الكويتية بملاليم فى خلسة من الزمن وبمساعدة قامات كنا نظنها وطنية لكن واحسرتااااه.. وما ينطبق على أرض العياط يشابه أرض مدينتى التى استولى عليها رجل الأعمال المسجون هشام طلعت مصطفى ثم عدد آخر من أراضى نهبها الحيتان فى السويس والإسماعيلية وشمال وجنوب سيناء والصعيد والدقهلية و.....

وعندما سألت أهل العلم والخبرة والوطنيين المهتمين بهذه القضايا.. أكدوا لى أن التعديات على الزراعة فى الفترة الأخيرة قد وصلت إلى حوالى نصف مليون فدان.. ونصحوا بدق ناقوس الخطر فى الإعلام ودور العبادة للضغط على المسئولين حتى ينهضوا من نومهم ويزيلوا هذه المخالفات ويتصدوا كذلك لأى جرائم جديدة بكل حزم وقوة.. وذلك بعد سد جميع الثغرات الموجودة فى القوانين القديمة التى دفعت المعتدين لنهب الثروة الزراعية وتحويلها إلى خرابة.. كما لفت انتباهى كلام الخبراء إلى أن هناك إصرارا واضحا دون مبرر يجعل النظام الحالى يهمل التعامل مع هذه الظاهرة بشكل جدى.. وأصبحت الآن مقتنعا بوجود قوى خفية تساعد على نمو وانتشار هذه الفوضى ضمن مسلسل «الفوضى الخلاقة» ليه؟؟.. لأن الواقع يؤكد لنا يوما بعد يوم هذه المآسى التى باتت تهدد استقرار المواطن فى أمنه وغذائه وصحته وعمله. وحتى لا يكون كلامى مجرد تنظير فى تنظير.. فإننى أطالب د. مرسى شخصيا بالنزول إلى قريته فى الشرقية ليكشف لنا عن تجاوزات أهله وعشيرته وإخوانه وأنصاره ضد المساحات الخضراء.. ومن ثم يخرج علينا بخطاب من خطاباته التاريخية ويقول لنا ما الإجراءات التى اتخذها لوقف هذه المهزلة.. لأن ضياع 500 ألف فدان زراعى يعنى ضرب الاقتصاد فى مقتل.. يعنى ارتفاع الأسعار للخضار والفواكه والحبوب بشكل هيستيرى.. يعنى نقص الناتج المحلى من هذه المحاصيل.. يعنى عدم وجود خبرة علمية لدى المصريين تفقدهم التخطيط الجيد لمواجهة الزيادة السكانية.. يعنى استمرار سياسة الاستيراد للقمح الأمريكى والأوروبى وعدد لا بأس به من السلع الاستراتيجية الأخري.. يعنى أن الرئيس ورئيس وزرائه وبقية نظامه أضعف من أن نأتمنهم على هذا الشعب البائس المكلوم.. يعنى باختصار أن من لا يملك قوت يومه.. لا يملك حرية قراره ومعيشته ومستقبله.. يعنى سنظل عبيدا لقوى الظلم والبشر العالمية، وهذا الأمر غير مقبول بعد ثورتنا المجيدة.. والمفروض أن نكون نحن الأسياد ومن يحاولون استعبادنا هم العبيد، وباعتقادى أنه يجب محاسبة هؤلاء السماسرة وكل من يساندهم من الأجهزة الرسمية.. بداية من موظف المجلس البلدى أو المحلى المسئول عن ترخيص هذه المبانى وإمدادها بالخدمات.. مرورا بأصحاب هذه الأراضى وانتهاء بالوزراء المعنيين ورئيسهم ورئيس رئيسهم فمن غير المنطقى أن نترك عددا كبيرا من هؤلاء المعتدين يتعمدون تسقيع مساحات خضراء تصل فى بعض الأحيان إلى خمسة عشر ألف متر مربع.. ثم يبنون حولها أسوارا خرسانية كنوع من فرض الأمر الواقع بهدف تحويلها فيما بعد إلى مبان تباع بعشرات الملايين من الجنيهات دون حسيب أو رقيب؟!.. تلخيصا.. أناشد المجتمع.. كل فى موقعه أن يواجهوا بأنفسهم هؤلاء اللصوص والطامعين فى الثراء السريع على حساب لقمة عيش المواطن «المطحون» وهذا لن يتأتى إلا من خلال الضغط على من بيدهم القرار

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.