رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافى يكتب: أدباء الخيال فى المملكة


حتى قبل هذه الزيارة المهمة، كان محمد بن سلمان مسيطرًا على المشهد الثقافى المصرى، فما حدث فى المملكة خلال أشهر قليلة يقترب فى غرائبيته من عالم الروايات والقصص الخيالية والبوليسية أيضًا، فى ٢٠١٤ نشرت الصحف السعودية خبرًا صغيرًا عن زوج فوجئ بمجموعة من الرجال الغلاظ يداهمونه فى سيارته ويسحبونه، وزوجته!، لم يستطع الرجل أن يفعل شيئًا، رفع يديه واستسلم لهؤلاء الذين ضبطوه مع زوجته!.

لم يكن الزوج يفعل شيئًا مما دار فى رأسك ورأسى، فقط كان يعلمها القيادة!، وهذا فعل فاضح كفيل بالقبض عليهما، والتقطت الروائية السعودية الكبيرة، بدرية البشر، الواقعة، وكتبت مقالًا رائعًا عنها، وتعرضت لحملة انتقاد واسعة باعتبارها تسخر من العقوبات الشرعية التى فرضتها هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر!، وبالطبع لم تكن تعلم «بدرية البشر» أنه بعد ثلاث سنوات من مقالها ستعيش المملكة لحظة تاريخية، ويتم السماح للسيدات بقيادة السيارات والحافلات دونما أن يضبطها أحد ويلقى القبض عليها بتهمة «الفعل الفاضح»، لم تكن تعلم أن سلسلة من الأحلام الكبرى للروائيين والمفكرين والمثقفين فى العالم العربى كله سوف تتحقق، فما حدث فى مساء السابع والعشرين من سبتمبر ٢٠١٧ من السماح للسيدات بقيادة السيارات لم يكن أمرًا ملكيًا عابرًا، بقدر ما كان حدثًا ثقافيًا كبيرًا قبل أن يكون حدثًا مجتمعيًا يزلزل بناءً جامدًا راسخًا متينًا تحكمه قوانين وتشريعات دينية تجعل الاقتراب منه مغامرة كبرى، فالمثقف هو الذى عاش للحلم والتغيير والتجديد هناك فى المملكة، وهو الذى كان يترقب هنا فى القاهرة تغييرًا ولو طفيفًا سيكون تأثيره عظيمًا على ملايين من المصريين اعتادوا تلقف فتاوى التحريم وتقديسها، فالأمر الملكى بقيادة السيدات السيارات كان البداية لدخول مرحلة خيالية جديدة تعبر بالمملكة العربية السعودية إلى عالم الغناء والموسيقى والسينما والمسرح لتفتح نوافذ الفنون والآداب على العالم بعد قرون من الجمود والتجهم وتصدير الكآبة وفتاوى فقهاء القرون الوسطى.

قبل عام واحد من الآن كنت فى حوار مع الكاتب السعودى المرموق، فهد العتيق، حول وضع المثقف فى المملكة، فقال بتنهيدة الآسى والسخرية الحزينة «إنهم فى أسوأ حال يا صديقى»، وتحدث عن التحريض ضدهم من مشايخ الفتوى والمنابر وكيف تحولوا أمام أولادهم وزوجاتهم وعائلاتهم إلى دعاة فجور وعُرى، وأن الصورة العامة التى يتم تصديرها عنهم تتجاوز حدود العقل، وكنتُ أعرف ما هو أكثر عن أزمة الفنان والمثقف السعودى الذى يحارب منظومة هى الأصعب فى التاريخ، فقد التقيت بمجموعة من الشباب السعودى كانوا فى ضيافة صديقى الفنان أحمد مجدى، بعضهم يدرس بالقاهرة، وآخرون يدرسون فى فرنسا وإسبانيا، وكان بينهم ممثلون ومخرجون وكتاب سيناريو لا تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين، وأتذكر أننى ليلتها ضربت كفًا بكف وأنا أستمع إلى رؤيتهم للفنون وطموحاتهم فى إحداث أى تغيير ولو طفيف يكون بداية لأجيال أخرى، أى أن أبناء العشرين يحلمون بخطوة واحدة قبل الوصول للشيخوخة!، ومع ذلك كان حماسهم كبيرًا وأحلامهم عريضة ورهانهم الوحيد كان على جيلهم الذى يفكر مثلهم فى نقطة نور.

لكن نقطة النور أصبحت اليوم بقعة ضوء كبيرة، والحراك الثقافى والفنى والحضارى الذى نتابعه خلال الشهور الماضية يجعلنا نحلم أكثر للأدباء والفنانين والمفكرين الذين عاشوا للحلم، وصمدوا فى انتظار المعجزة، التى بدأت بشائرها تتدفق لتعيد الابتسامة إلى الشعب السعودى الذى بدأ يشاهد الحفلات الفنية ويتمايل مع الموسيقى ولا عزاء لأهل الكآبة وفتاوى الحرام التى أهلكتنا.