رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فاروق جويدة: الفضائيات الخاصة تعيش محنة بسبب ظواهر إعلامية

الكاتب الصحفي فاروق
الكاتب الصحفي فاروق جويدة،

ناقش الكاتب الصحفي فاروق جويدة، في مقاله المنشور، اليوم الجمعة، بجريدة الأهرام، تحت عنوان «الفضائيات الخاصة.. والمستقبل الغامض» دور الإعلام بعد ثورتي يناير ويونيو،وتحديدا فى القنوات الخاصة.

استهل الكاتب مقاله قائلا: كانت الفضائيات المصرية الخاصة من أهم إنجازات الإعلام المصرى فى السنوات الماضية، فقد ملأت فراغا كبيرا بسبب غياب الإعلام الرسمى ممثلا فى ماسبيرو بقنواته وإذاعاته.. واستطاعت الفضائيات الخاصة أن تلعب دورا كبيرا فى تشجيع المعارضة ومواجهة الإستبداد سواء ضد نظام سابق أو ضد جماعة الإخوان.. ولا يستطيع أحدا أن ينكر دور هذه القنوات فى ثورتى 25 يناير، و30 يونيه، فقد شجعت كل الأحداث المهمة فى ميدان التحرير وساندت بشدة تيارات المقاومة الوطنية ضد الإخوان فى ثورة يونيه والملايين التى خرجت لإسقاط حكم الجماعة.. وقبل هذا كله شاركت هذه الفضائيات فى زيادة درجة الوعى السياسى والحضارى لدى المواطنين.

وأضاف: هذه الإنجازات شهادة حق للفضائيات التى عاشت ظروفا صعبة فى ظل ثورتين وأربعة رؤساء وعواصف شديدة تعرضت لها مصر خلال السنوات الماضية.. إلا ان الشئ المؤكد ان الفضائيات الخاصة تعيش الأن محنة قاسية أمام تراجع تأثيرها ودورها وأزماتها المالية المتكررة مما يتطلب دراسة أسباب هذا التراجع وإلى أين تمضى إن أخطر ما تتعرض له الفضائيات المصرية الخاصة الأن مجموعة ظواهر ينبغى ان نتوقف عندها".

وأوضح أن المواطن المصرى لم يعد حريصا على متابعة هذه الفضائيات خاصة ان برامج التوك شو وهى الوجبة التى كان لها السبق دائما وكانت مجالا للمنافسة بينها والسبب فى ذلك انها ابتعدت كثيرا عن هموم المواطن وقضاياه الحقيقية كما أنها توقفت على عدد من الوجوه التى لم تتغير أساليبها من حيث الصخب والضجيج مع الكثير من السذاجة والسطحية.. ومع تراجع برامج التوك شو فقدت الفضائيات أهم أسباب نجاحها طوال السنوات الماضية كانت برامج التوك شو هى الحصان الرابح للفضائيات الخاصة واستطاعت من خلالها ان تحقق نسبا للمشاهدة غير مسبوقة وللأسف فقد تراجعت هذه البرامج امام التشابه والتكرار وغياب القضايا الحقيقية.

واستكمل: معظم هذه الفضائيات افتقد التخطيط والمتابعة ولهذا تسللت ظواهر غريبة فى الكثير من البرامج حتى وصل الحال الى تحويل مقدمى البرامج الى القضاء بسبب سوء التقدير وسوء الآداء ما بين جرائم يحاسب عليها القانون ضد أشخاص أو جرائم سياسية ضد دول شقيقة أو إعتداءات صارخة على حرمة البيوت فى مشاهد عرى وإسفاف.. وفى كل هذا غاب شئ يسمى الحساب بحيث أصبح من حق أى إنسان أن يقول ما يشاء على شاشة التلفزيون دون أى اعتبار لأخلاق أو قيم أو علاقات تاريخية مع شعوب ودول شقيقة منذ غاب الحساب على ما يقدم فى الفضائيات المصرية فلت الزمام وسادت لغة المصاطب اسلوبا وحوارا وترخصا ولم يكن غريبا أمام هذا التراجع أن تدخل هذه الفضائيات فى دوامات من الفشل وغياب الرؤى.

وتابع: كنت أتعجب وأنا أتابع البيانات العسكرية حول ما يدور فى سيناء وهى لا تزيد على دقائق على عشرات الشاشات وأتساءل أليس هناك فيلم وثائقى عن بطولات جنودنا البواسل من الشهداء الذين وهبوا حياتهم للوطن.. بجانب عشرات المسلسلات الهابطة فى الجنس والإغتصاب والشتائم والضرب والبذاءات ألا توجد قناة واحدة تقدم صورة من صور البطولة لأطفالنا الصغار. فى شبابنا كنا نتحدث عن بطولات جواد حسنى وجول جمال ثم عبد المنعم رياض والشاذلى، ألا يستحق اسم من أسماء الشهداء بضعة جنيهات وسط الملايين التى أنفقتها الفضائيات على الراقصات وبرامج الهزل والإنحلال.. لم أشاهد طوال ثلاث سنوات مراسلا عسكريا لإحدى الفضائيات يتجول بين جنودنا فى سيناء او الصحراء الغربية حاملا كاميرا ليسجل للتاريخ هذه البطولات".

واستطرد: إن الأخطر من ذلك هو غياب معظم هذه الفضائيات عن كل ما شهدته مصر من إنجازات حيث تكتفى هذه الفضائيات بإذاعة أحاديث الرئيس السيسى عن هذه المشروعات التى تحققت وكانت مفاجأة للمواطنين.. فأين الإعلام من كل هذا، وأين هذه الإنجازات فى مكتبة الفضائيات، وهل اكتفى مقدمو البرامج بالتفاهات التى تملأ الشاشات كل ليلة بينما تراجع الإهتمام بقضايا الناس والوطن والدولة إن كل جدار يرتفع فى بناء هذا الوطن فى هذا الظرف التاريخى الصعب يستحق التسجيل والمتابعة ليكون درسا لكل الأجيال القادمة.

واستكمل:هناك حالة من الغموض تحيط بصفقات بيع عدد من الفضائيات ولماذا لا تكون الأشياء واضحة خاصة أن هناك حالة من الإرتباك فى هذه الصفقات بين من يقول إنها تمت ومن ينكر ذلك وكان ينبغى أن يتسم كل شئ بالوضوح والشفافية حول البيع والشراء حتى لو كانت هناك أطراف رسمية فى هذه الصفقات.. لقد ترك ذلك أثرا سيئا على هذه الفضائيات فلا هى بقيت على حالها وأصلحت من أمرها ولا هى تغيرت وتطورت لتجارى أوضاعها الجديدة.. مازال الغموض وعدم الشفافية يمثل أخطر ما تتعرض له الفضائيات المصرية فلا هى بيعت ولا هى بقيت على أوضاعها والمطلوب ان تتضح الصورة بيعا أو شراء لأن حالة التجمد والإرتباك التى تعيشها هذه الفضائيات يهدد بنتائج أخطر خاصة أن البيع والشراء تم على فترات قصيرة ما بين إنسحاب البعض وظهور البعض الآخر من رجال الأعمال ومؤسسات الدولة.

وأضاف:هناك حالة من الكساد المالى أصابت معظم الفضائيات المصرية الخاصة والسبب فى ذلك أنها دخلت فى سباق فى الإنفاق المالى تجاوز كل الحدود حتى أفلس بعضها أمام مطالب مالية ضخمة بينما هناك قنوات جديدة أسرفت كثيرا فى نفقاتها وأصبحت الأن مهددة بالإفلاس أمام ظروف مالية صعبة..إن المطلوب مراجعات مالية لهذه الفضائيات تعيد لها التوازن سواء بقيت ملكا لأصحابها الأصليين أو انتقلت الى ملاك جدد ويبقى الوضع المالى الخطير لهذه الفضائيات أهم جوانب الأزمة.

وتابع:الإعلان.. الإعلان.. الإعلان هو النكبة التى تتحطم أمامها كل الأهداف الجادة للنشاط الإعلامى لأن السباق بين الفضائيات حول «كيكة الإعلانات» أصبح يهدد كل الموضوعات والقضايا الجادة، إن أى مسلسل تحكمه الإعلانات وأى نجم يقف كل تاريخه أمام الإعلانات وكم من الأعمال الجادة التى سقطت أمام سطوة الإعلان خاصة أن جميع مراحل إنتاج الأعمال الدرامية تخضع لسطوة الإعلانات والشئ المؤكد أن الإعلانات كانت وراء الكثير من البرامج الهابطة التى جمعت الفن الهابط والإعلام السطحى.. إن المعارك على الإعلانات التى تشهدها كل الفضائيات فى مسلسلات رمضان تؤكد ان هذه الفضائيات لم تعد لديها الحرية فى أن تختار ما تريد ومالا تريد لأن المسلسل يأتى بنجومه وإعلاناته وبذاءاته وشتائمه ومن أراد أن يعرض هذا الفن الهابط عليه ان يدفع دون مراعاة للمستوى الفنى او الأخلاقى.. إن سوق الإعلانات هو الأن يحرك سوق الدراما بل والسينما وما يراه الناس من البرامج على الشاشات.

وأضاف: أخطر ما تعانى منه الفضائيات المصرية الخاصة الأن هو غياب الفكر والثقافة والفنون الجادة وهناك أكثر من دليل حيث لا توجد فضائية مصرية واحدة الأن تقدم تراث الأغنية المصرية إبتداء بأغانى أم كلثوم وعبد الوهاب وانتهاء بنجوم العصر الذهبى للأغنية المصرية.. وهنا نتساءل أين مكتبة التليفزيون المصرى منذ الستينيات حتى الأن أين أحاديث طه حسين والعقاد وأين قضايا الفكر والحريات والإبداع الجميل ولماذا لا تعرض كل هذه الأعمال الإبداعية على الفضائيات الخاصة فى ظل إتفاقيات مالية مناسبة مع المسئولين فى ماسبيرو؟.. إن غياب الفكر والثقافة عن الفضائيات الخاصة جعل منها مرتعا لأعمال سطحية ونماذج فنية مريضة والأخطر من ذلك أن تخوض الدولة معركة ضد فكر الإرهاب بينما يغيب الإعلام عن قضية مثل تجديد الخطاب الدينى كان غياب الفضائيات فى مثل هذه القضايا الفكرية شيئا مؤسفا بل إنها شاركت بأدوار سلبية فى إثارة هذه القضايا.

واستكمل الكاتب الصحفي: مازلت أعتقد أن الفضائيات الخاصة كانت من أهم أسباب إنهيار لغة الحوار فى الشارع المصرى هناك كلمات لا تقال نسمعها فى المسلسلات.. هناك حوارات ساقطة نسمعها فى البرامج..وهناك ألفاظ شاذة وغريبة يسمعها أطفالنا كل ليلة ويقال إنها لغة الشارع وسلوكيات الشارع وامراض الشارع.. وإذا كانت هذه الكلمات تقال بين عدد من الأشخاص فإنها على الشاشات يتبادلها الملايين".

واستطرد: لقد شاركت البرامج الهابطة فى إفساد لغة الحوار بين الناس خاصة بعد ان غابت تماما اللغة العربية الرصينة بكل تراثها وتقاليدها وفنونها وسادت لغة سوقية على ألسنة نجوم الدراما والأفلام والحوارات والبرامج.

وتابع: من أكثر الشواهد على سوء أحوال الفضائيات المصرية الخاصة هذا الكم من التجاوزات التى كانت وراء إلغاء البرامج أو تحويل المسئولين عنها من المذيعين وفرق الإعداد إلى التحقيق فى ظل أخطاء فادحة فى الأسلوب واللغة وامتهان كل القيم المهنية والأخلاقية للعمل الإعلامى.

وأضاف أن الفضائيات المصرية تحتاج إلى تجديد دمائها فى الأشخاص والأفكار والبرامج وأن تعيد هيكلة ميزانياتها حسب ظروفها الإقتصادية وما تفرضه عليها من أعباء وأن تبحث عن صيغة للتعاون والمشاركة مع بعضها البعض ومع المؤسسات الإعلامية الرسمية بكل مجالاتها لأن الزمن يجرى ويتغير وعليها أن تعيش روح العصر".

وأختتم:الخلاصة عندى أن الفضائيات الخاصة المصرية كانت يوما صاحبة دور كبير فى يقظة الشارع المصرى بل والشارع العربى ومهدت لأحداث سياسية كبرى فى الوطن العربى كله وإن كان البعض يرى فيها جوانب سلبية إلا أن هناك إيجابيات لا ينكرها أحد وهى زيادة الوعى لدى المواطن، إن الشئ المؤكد أن هذه الفضائيات تعانى الأن ظروفا مالية صعبة وأنها تتنقل الأن بين أكثر من وريث أو مالك وقبل هذا هى تعانى كثيرا من السطحية وغياب الهدف والرسالة أمام حالة من التخبط لم تشهدها من قبل.. إن ذلك يتطلب أن يقوم أصحاب هذه الفضائيات بمراجعة مواقفها ماديا وأدبيا وسياسيا خاصة أنها دخلت فى حالة من الإفلاس تهدد مستقبلها سواء بيعت او بقيت مع ملاكها الأصليين.

وانهى مقاله بأبيات من الشعر قائلًا: ويبقى الشعر..

تـَعَالـَىْ أعانــقُ فيـــكِ اللـَّيــــالِــــى

فـَلـَمْ يَبْقَ للـَّحْن ِ غيرُ الصّــَدَى

وآهٍ مِنَ الحُزْن ِ ضَيْفـًا ثــــــَقِيــــلا ً

تـَحَكـَّمَ فى العُمْر واسْتعْبــــــَدَا

فهيَّا لِنـُلـْقيـهِ خــَلـــــْف الزَّمَــــــان ِ

فـَقـَدْ آن لِلقلـْبِ أنْ يسعــــــــدَا

إذا كـُنـْتُ قدْ عشْتُ عُمْرى ضَلالا َ

فبيْنَ يَديْكِ عرفـْتُ الهُـــــــــدَى

هُوَ الدَّهرُ يَبْنِى قـُصورَ الرمَــــــال ِ

وَيهدِمُ بالموْتِ.. ما شيَّـــــــــدَا

تـَعالىْ نـَشُــــمُّ رَحِيــــــقَ السِّنِيـــن ِ

فـَسَوفَ نـَراهُ رَمادًا غـَــــــــــدَا

هُوَ العَامُ يَسْكــبُ دَمْـــــعَ الـــوَدَاع ِ

تـَعَالـَىْ نـَمُدُّ إليــــــــهِ اليَــــــــدَا

وَلا تـَسْألِى اللـَّحنَ كـَيْفَ انتـَهَــــى

وَلا تـَسألِيه.. لماذا ابْــتــــــــــَدَا

نُحَلـِّقُ كالطـَّيْر بَيـْنَ الأمَــــانِــــــى

فلا تـَسْألى الطـّيرَ عَمَّا شَــــــدَا

فمهْمَا العصَافيرُ طــارَتْ بَعِيـــــدًا

سيبْقـَى التـُّرابُ لـَهَا سَيـــــــــِّدَا

مَضىَ العَامُ منـَّا تعَالــىْ نـُغـَنـــــِّى

فقبلكِ عُمْرى.. مَا غَـــــــــرَّدَا

نـَجـِىُء الحيــــــاة َعلى مــــوعِدٍ

وتبقـَى المنـَايَا لنـَا مَوْعِـــــــدَا

دَفاتِرُ عُمْركِ.. هَّيا احْرقيهَــــــا

فقدْ ضَاعَ عُمرُكِ مِثلى سُـدَى

وماذا سيفـْعَلُ قلبٌ جَريـــــــــــحٌ

رَمتهُ عيونـُك.. فـَاستـُشْهــــدَا

تـُحبُّ العَصافيرُ دفْءَ الغُصُون ِ

كمَا يَعْشَقُ الزَّهْرُ هَمْسَ النـَّدَى

فكيفَ الرَّبيعُ أتـَى فى الخَريــفِ

وبَيْتُ الخَطـَايَا غَدَا مَسْجِدَا ؟!

غَدًا يأكـُلُ الصَّمْتُ أحْلامَنـــــــَا

تعَالىْ أعانقُ فِيكِ الــــــــرَّدَى

أرَاكِ ابتسَامة َ عُمْر قـَصِيــــــر ٍ

فمهْمَا ضَحكـْنـَا..سَنبْكِى غَدَا

أريدُكِ عُمْرى وَلـَو سَاعـــــة ً

فلنْ يَنـْفـَعَ العُمْرَ طولُ المدَى

ولو أنَّ إبليسَ يومـــــــًا رآكِ

لقـبَّـل عَينـَيـْكِ.. ثم اهْتــــَدَى