رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء 2018.. التاريخ يُكتب من جديد




سيناء تشهد للمرة الرابعة فى أقل من مائة عام معركة حقيقية، وكأن التاريخ قد كتب لها وعليها أن تظل مقبرة للغزاة ومسرحًا لأهم العمليات العسكرية التى تعيد تشكيل تاريخ المنطقة وربما العالم.
سيناء أيضًا ستظل هدفًا لكل أعداء مصر، وفى المقابل ستظل مفتاحًا للنصر وشاهدة على أن جيش مصر لا يترك أحدًا يدنس أرضه حتى لو كان يحاول ذلك فى كيلومترات محدودة.. سيناء للمرة الرابعة بعد ٥٦ و٦٧ و٧٣ تشهد الآن فى ٢٠١٨ معركة شاملة قد تكون مختلفة، فلأول مرة يختفى العلم الإسرائيلى أو الأعلام الغربية من على المعدات التى تواجه جيشنا ويتسلح بها الأعداء، ولأول مرة منذ معارك قديمة تكون الحرب تحت لواء الإسلام مع الفارق الكبير، خوارج يستخدمون الدين وغزاة يحتمون به وبين أبناء وطن يعرفون للدين قدره ويقدسون الوطن وكرامته.
سيناء تشهد اليوم معركة حقيقية استهدفتها إسرائيل فى ٥٦ وتم تحريرها.. عادت واحتلتها ست سنوات وتم تحرير كل شبر فيها.. اليوم يحاولون ومنذ سبع سنوات أن يرفعوا علمًا آخر على جزء منها، ولكن قواتنا المسلحة أبت ذلك وأعلن قادتها مرارًا وتكرارًا أن الموت أفضل كثيرًا من أن يرى الجندى المصرى علمًا غير علمه يُرفع على أحد الصوارى فى سيناء.. مؤامرات تلو مؤامرات.. تنظيمات تأتى وأخرى تختفى.. دول تمول بالمليارات.. خطط عمل يتم وضعها عبر أجهزة استخبارات عديدة، ولكن صقور مصر يقفون لها بالمرصاد.. منذ أن جاءت يناير ٢٠١١ بعاصفتها السوداء وهناك من حاول استباحة الحدود المصرية، نجحوا بعض الشىء ولبعض الوقت فى تمرير العديد من صفقات السلاح عبر الحدود الغربية إلى داخل مصر ثم إلى سيناء، ربما أكثر من نصف مخازن السلاح فى الجيش الليبى وصلت إلى مصر عبر دروب الصحراء.. صواريخ مضادة للطائرات ومعدات أخرى ومئات سيارات الدفع الرباعى ونصف النقل المجهزة أتاح الإخوان لها المرور خلال عام من أسوأ الأعوام التى مرت على مصر.. رئيسها فى ذلك الوقت يصطحب قادة الإرهاب معه على طائرته الرئاسية ليعودوا إلى سيناء.. العشرات يتم السماح لهم بالعودة إلى مصر والتوجه إلى سيناء مباشرة.
مئات الإرهابيين من حماس يتم منحهم الجنسية المصرية وبطاقات الهوية المصرية.. إتاحة الفرصة لقوافل الأسلحة المهربة للوصول إلى سيناء.. وعلى الجانب الآخر حماس تُنشئ سلطة مختصة بالأنفاق وتحصّل عليها رسومًا مقابل تهريب المقاتلين إلى سيناء وتهريب السلاح، وفى العودة تهريب الأغذية والسجائر والسيارات المسروقة.. سلسلة طويلة من الأنفاق تمتد إلى أكثر من ٢ كيلومتر فى الأرض المصرية عبر ١٤ كيلو من الحدود المشتركة مع قطاع غزة.. وسقط الإخوان وسقط معهم حلم سيناء لأبناء غزة.
بدأ السيسى المواجهة معهم بإصدار قرار بمنع التملك فى مناطق حدودية.. هاجموه فى برلمان الإخوان وفى حكومة هشام قنديل، ولكنه صمد فى المواجهة.. حاولوا اختراق جهاز المخابرات وتصدى لهم.. كان يعرف جيدًا بحس وطنى وبحس الجندى أن المعركة قادمة لا محالة وأنه لا بد من إزاحة هذا الكابوس.. وبدأت خطة الإخوان والتنظيمات الإرهابية بحادث رفح الذى استخدمه مرسى للإطاحة بالمشير طنطاوى، ولكن الله الذى أراد لمصر الأمن والحماية جاء بالسيسى وزيرًا للدفاع.. وزيرًا للدفاع كما قالوا عنه بنكهة إخوانية ولأنهم لا يعرفون ضباط القوات المسلحة جيدًا.. لا يتركون صلاة ولا فرصة للصيام تطوعًا وأسرهم ملتزمة دينيًا.. أنهم فتية آمنوا بربهم.. جاء السيسى ليواجه ومعه ضباط آمنوا بالوطن وشعبه وحق شعبه فى دولة آمنة مستقرة.. ظل الإخوان لمدة عام يحاولون تطبيق خططهم بتوطين تنظيمات إرهابية فى سيناء وتسهيل وصولهم، ولعل أصدق دليل ما قاله محمد البلتاجى، القائد الإخوانى، على منصة رابعة يوم أن كان مرسى يؤم الأنبياء فى الصلاة والملائكة تشرف على تدريب الإخوة.. قالها البلتاجى بنفسه ليقدم الدليل على أن مفاتيح ما يحدث بسيناء بيد الإخوان.. عندما يعود مرسى ويتوقف السيسى عما يفعله سوف يتوقف كل ما يحدث فى سيناء.. مقايضة مكشوفة ودليل إثبات على خيانتهم.. لم يقبل السيسى ولا الشعب المقايضة ولم ترهبهم كلمات البلتاجى الذى خرج بعدها بأيام فى عباءة سيدة من ميدان رابعة ليختفى حتى أتى به أبطال الشرطة وأعادوه إلى مكانه المفضل فى السجن.. حاولوا عبر سبع سنوات أن يجعلوا من سيناء بداية لسوريا وعراقًا جديدًا.. مولوا تنظيم بيت المقدس الذى تقلب فى الولاء من القاعدة إلى داعش كعادة كل التنظيمات واستخدم أفراده كل أساليب الإرهاب من قتل للآباء أمام أبنائهم حتى قتل المصلين فى جامع الروضة بعد قتل شيخهم المسن، صاحب المائة عام، ذبحًا لإرهاب مريديه وتابعيه.. وكما حدث عبر السنوات السبع من حوادث إرهابية سواء ما قام به عادل حبّارة أو هجومهم المتكرر على أكمنة الشرطة والجيش واستخدامهم عضوات للجمعية والتغطية فى المراقبة والرصد ومحاولة تجنيدهم أطفالًا ومحاولة إرهاب الأقباط بذبح راهبهم وقتل آخرين.. كل ذلك لم يزد القوات المسلحة إلا إصرارًا، ولأن مصر لم تواجه معركة الإرهاب فقط ولكنها أيضًا كانت تواجه معركة التنمية، فانهارت الدولة اقتصاديًا ووصل احتياطيها الدولارى إلى ١٦ مليارًا فقط نصفها ودائع وقروض، وارتفعت الأسعار وتفاقمت أزمة الطاقة وانهارت منظومات كثيرة.. كانت أمام السيسى معارك كثيرة.. أن يحاول ترقيع كل الثوب المهلهل أو يشترى ثوبًا جديدًا أو يصنع ثوبًا آخر.. الترقيع والتسكين جربناه كثيرًا ومع الوقت لا يُجدى العلاج، وشراء ثوب جديد يعنى مزيدًا من القروض باستخدام سيئ ولن نستطيع دفع الثمن فلا بد من التنازل.. واختار الأصعب أن يزرع ليصنع من ناتج الزرع ثوبًا جديدًا يجهزه فى مصنع جديد.. اختار أن يُنشئ دولة جديدة، مدنًا جديدة، مصانع جديدة، طرقًا جديدة، مصر جديدة تنشأ على التوازى مع إصلاح القديم، ومع كل ما يحدث بالداخل صنعت له الأزمات خارجيًا وتفاداها الواحدة تلو الأخرى ليحقق النجاح تلو الآخر.. مصر مستبعدة من الاتحاد الإفريقى ٢٠١٣.. مصر رئيسة للاتحاد الإفريقى وبالإجماع عام ٢٠١٧.. مصر لا تستطيع الكلام عن سد النهضة ٢٠١٣ سوى فى اجتماع على الهواء يظل مادة ثرية للكوميديا السوداء.. رئيس مصر فى ٢٠١٧ فى إثيوبيا يناقش ويدافع عن كل نقطة ماء.. تركيا فى سواكن السودانية تحاول لىّ ذراع مصر فى الجنوب.. الأسطول الجنوبى المصرى بحاملة طائرات حديثة وعشرات القطع البحرية من غواصات ومدمرة وزوارق وطائرات رافال، وأخرى تسيطر على البحر الأحمر وتؤمّن جنوب مصر من أى محاولة تركية أو أى تفكير آخر من دول أخرى للمساس بحدود مصر.. تركيا وقطر فى شمال السودان.. مصر تجمع فصائل الجنوب وتوحدها وتفتح علاقات جديدة وقوية معها.. تركيا وقطر وإسرائيل فى الصومال.. مصر تبدأ خطط تنمية شاملة مع الشعب الصومالى، وأبناء مصر من أطباء ومدرسين ورجال أعمال يعودون إلى الأرض الإفريقية شمالًا تحديدًا للحدود البحرية بين قبرص واليونان.. خلقوا أزمة ريجينى فجاءت شركة «إينى» لتكتشف أكبر حقول الغاز.
حاولوا تعطيله فافتتحه السيسى قبل الموعد بعام وأنجزته السواعد المصرية، لتبدأ مصر التحول من مستورد للغاز إلى الاكتفاء الذاتى وقريبًا التصدير.. حاولوا مناوشة مصر عبر احتكاك مع قبرص ورفضت تركيا الاعتراف بالحدود البحرية وسولت لها نفسها الاقتراب من الحدود الدولية المائية، فكان استعراض القوة المصرية بأسطولها الشمالى وحاملة الطائرات الميسترال تعلو سطحها عشرات المقاتلات وفى داخلها حوالى ألف من أبطال الصاعقة بمعداتهم مستعدين لردع كل من تسول له نفسه التفكير فى الاقتراب من أى ممتلكات مصرية.
وفى صمت كان كل شىء يجهز فى سيناء.. قوات من الجيشين الثانى والثالث تسيطر على مواقع استراتيجية.. أكمنة تعد ليلًا ليفاجأ بها الجميع صباحًا.. طرق يتم إغلاقها بجدية وطرق من رجال إنفاذ القانون تنتشر حول مثلث الإرهاب فى رفح والشيخ زويد وجنوب العريش والريسة.. آلاف المعتقلين فى سيناء وساحل بحرى تم إحكام السيطرة عليه وطائرات من كل الأنواع القتالية تسطع أضواؤها مساء فى سماء سيناء ويرعب صوتها الفئران المختبئة فى الجحور هربًا من مصيرهم المحتوم.. خطط عسكرية تم وضعها ليستيقظ العالم على حرب شاملة فى سيناء.. هذه المرة لا رجعة فيها من التطهير الكامل، وكالعادة يُظهر أبناء سيناء بطولاتهم فكانوا السند القوى للجيش وقوات إنفاذ القانون.. نقرأ ذلك من دلالات فى البيانات العسكرية.. البيان السابع يُظهر وجود ضربات جوية متتالية وتدميرًا لأهداف، هذا يؤكد وجود كم من المعلومات الجيد من الأرض.. من حدد المواقع وكشف عنها، ويكشف أيضًا عن تعاون مع الأهالى للابتعاد عن المناطق المستهدفة بتلك الضربات.. البيان يكشف عن مدفعية تدمر مناطق، وهذا أيضًا يؤكد أن أهالى سيناء بحسهم الوطنى التزموا بالتعليمات العسكرية وطبقوا وأخلوا المناطق المحددة.
نقاط السيطرة التى انتشرت فى سيناء، خاصة فى الجزء الشرقى الشمالى، منعت الفئران الهاربة من الخروج من جحورها، ومع استكمال العملية الشاملة فإنهم مُجبرون على الخروج فى الصحراء، حيث ينتظرهم أبطال الصاعقة الذين تولوا ضبطهم وتأكد وجود أجانب بينهم تأكيدًا لما قاله أردوغان من أن مقاتلى الرقة تم تهريبهم إلى سيناء.
ضبط مركز إرسال ومركز إعلام يؤكد أيضًا حجم الصرف والتمويل.. نوعية الأجهزة ووجود أفراد مدربين عليها يكشف عن أجهزة مخابرات كانت تعمل لإسقاط مصر قبل محاولة احتلال سيناء.. حجم الأغذية والاحتياطى التموينى والذخائر فى بعض الكهوف والمخابئ تؤكد أيضًا أنهم كانوا يستعدون، ولكن كل ذلك يتم تدميره ولن يجد الإرهابيون إلا الخروج إلى الصحراء مرة أخرى فتحصدهم المدفعية أو يقبض عليهم جنود الجيش.. تدمير الأنفاق واكتشاف الجديد منها يكشف عن أن المحاولات مستمرة من الجانب الآخر، ويكشف أيضًا عن رصد قوى من الجانب المصرى.. البحر ثم إحكام السيطرة عليه، ولن يستطيعوا تلقى الإمداد ولا الهروب والمواطنون فى سيناء يدا واحدة مع الشرطة والجيش، فلن يجدوا مخبأ فى أماكن مدنية.. والصحراء مكشوفة وتحت سيطرة نسورنا ومدافعنا.. لا حل أمامهم إلا الانتحار أو الاستسلام، وسوف تكشف الأيام المقبلة بعد التحقيق مع الأجانب المقبوض عليهم الكثير.. وسيكون فى إجابة بعضهم الكشف عن الطرف الثالث الذى تحدث عنه جنينة.. جيش مصر يعرف جيدًا متى يتحرك ومتى تتحدث مدافعه ومتى نقطع ومتى تدمر طائراته مؤامرات الخائنين.. وشعب مصر يعرف جيدًا كيف يقف مع جيشه، وأكتوبر ٧٣ خير شاهد.. وما يحدث الآن فى سيناء ومصر كلها شاهد جديد على أن مصر قادمة وبقوة.