رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى الصميم.. هل استوعبتم دروس 25 يناير؟


اليوم، ٢٥ يناير ٢٠١٨، وفى مثل هذا اليوم، منذ سبع سنوات بالتمام والكمال، كانت شوارع مصر، وميادينها، فى العاصمة والأقاليم، مسرحًا لحدثٍ عظيم، شارك فيه الملايين من المصريين، كان حديث العالم كله، الذى أخذته مفاجأة وروح «التحرير»، وتقطعت أنفاسه وهو يتابع مبهورًا تفاصيل ما كان يجرى!.

وطوال السنوات السبع الماضية، جرت مياه كثيرة فى نهر «٢٥ يناير»، إذ انقض الأعداء، من كل جانب، انقضاض الكاره الغشوم، على كل ما يَمت لها بصلة، فى محاولة مستميتة لبتر ذكراها، ونزع آثارها، من وعى ووجدان المصريين، وظن البعض- وكل الظن فى هذه الحالة على وجه اليقين إثم- أنهم أهالوا التراب على ذكرى وذكر هذا اليوم، وأنهم، إذ تباروا فى وصف، ووصم كل من شارك فيه، بكل نقيصة، وحمّلوا هذا اليوم العظيم إثم ما جرى ويجرى، وكأن الثورة انتصرت وحكمت وأدارت وفشلت، أغلقوا مَلَفَّها إلى الأبد، ومَزقوا صفحتها من كتاب التاريخ، وأهدروا دمها، بعد أن أصبح لم يعد لها صاحب!.

وفى حركة التفاف بهلوانية، وجدنا الكثيرين من رموز الفساد والاستبداد، ممن خرج الناس، قصدًا، لإزاحتهم من الصورة، يعودون، بكل ثقة وصفاقة إلى صدارة المشهد، بل منحوا أنفسهم الحق فى توزيع صكوك الجدارة والوطنية، وراحوا يتهمون «الثورة»، ومن شارك فيها، بأنهم عملاء مدفوعون، ومرتزقة يعملون لدى الأعداء بأجر، لتقويض استقرار البلاد، وهز بنيانها، متجاهلين أن من نال شرف المشاركة فى وقائعها، قبل أن تجرى عملية التآمر الواسعة عليها بمشاركة أطراف عديدة، داخلية وخارجية، هم الملايين من المصريين الأوفياء، الذين يستحيل أن يكونوا جميعًا خونة وعملاء، وهم إذ نزلوا إلى الشوارع والميادين، حاملين أرواحهم على أكفهم، يبتغون وجه الوطن ومصلحته، لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن شاخ النظام، ونخر الخراب فى ركائزه، وكان مقضيًا عليه بالانهدام، فى ٢٥ يناير عام ٢٠١١، أو بعد حين!.

الثورة لم تأت بالإخوان، كما يروجون، وإنما أتى بها نظام مبارك، الذى مهد لها الأرض بحصاره للوعى، وبما أشاعه من سطحية وجهل، وبما نشره من تَفَسُّخ وفساد، فى المجتمع وقيمه، وأن ما ظهر من قيح فيما بعد، كان مختزنًا تحت الجلد، ولم تصنعه الثورة.

الثورات، فى تواريخ الأمم، أحداث جسام، وحين تركب الشعوب مركبها الصعب، تكون قد استنفدت كل ما عداها من وسائل، واستشعرت، بالفطرة والخبرة، أن كل سكك التغيير والإصلاح التقليدية قد أغلقت، وأن منافذ الضوء الكاشف، ومصادر الهواء النقى، قد سُدّت، وأن أصوات شكاواها، وأنين آلامها، تذهب أدراج الرياح، وعندئذ تتحول الشكوى إلى حركة، والنداء إلى زئير، وساعتها حتى إذا انتبه الغافلون، يكون أوان تدارك الأمر قد فات!.

نقول هذا لأن البعض من أيتام نظام مبارك ما زال مُصرًا على اللعب بالأوراق القديمة، البائسة، ذاتها، وما زلنا نعاين بهلوانيات كورس الطبل والزمر، من راكبى الموجة، والآكلين على كل الموائد، وهم يشنون حربهم غير المقدسة على ما يسمونه تجنيًا «عملية ٢٥ يناير»، باعتبارها محض عملية مخابراتية، اصطنعتها دول وأجهزة خارجية معادية، للتنغيص على حكم مبارك الرشيد، وتخريب الوطن، متجاهلين أن الثورات لا تحدث بأوامر أو تتحرك بتعليمات، لا لشىء إلا لأنها نتاج تراكمات موضوعية طويلة الأمد، وتنفجر عندما تفيض الكأس، ويتعذر، بالوسائل التقليدية، تحسين الحال!.

يقولون إن من لا يتعلم دروس التاريخ يُجبر على أن يتجرع مرارتها ثانية، وعلى أصدقاء الثورة وأعدائها، أن يقرأوا ما حدث جيدًا. لأن لا هؤلاء، ولا أولئك، استوعبوا الدرس، أو فكّوا شفراته.