رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدولة الموازية.. خطر قادم


خطوات استعادة هيبة الدولة لا شك أنها تُقابل بمحاولات من نشر الفوضى.. هذه الحرب ستستمر كثيرًا وطويلًا إذا لم تُجابه بإجراءات حاسمة.. ومن أهم وسائل حروب الجيل الخامس خلق حالة الفوضى فى الدولة تمهيدًا لإسقاط نظامها ثم إسقاط الدولة ذاتها.
ومن أساليب ذلك نشر حالة من المنظمات الوهمية الموازية للمنظمات الحقيقية، ومن ثم خلق مجتمع موازٍ يؤدى إلى دولة موازية للدولة تعمل على مدى طويل على تفتيت المجتمع.. يعتمد ذلك على خلق فوضى بخطوات منظمة فى مختلف الميادين، وما أتحدث عنه اليوم فوضى الألقاب والمنح والمناصب الوهمية التى أصبحت واقعًا نواجهه كل يوم وكل لحظة.
فعلى مدار الوقت يقابلك عشرات الأشخاص ممن يحملون لقب سفير أو مستشار أو دكتوراه فخرية.. بشكل شبه دائم ستطالعك وجوه على الشاشات وخلف الميكروفونات تحمل لقب خبير استراتيجى أو خبير سياسى أو محلل اقتصادى أو يدلى برأيه فى قضايا دينية أو سياسية، فيخلق العديد من المشاكل للدولة قبل النظام.
وإذا كانت هيئة الرقابة الإدارية قد استطاعت أن تقلم أظافر المفسدين وبدأت حملة للقضاء على الفساد ومواجهته، فإنه من المهم جدًا أن تتولى هذا الملف الذى يمثل الفساد بوجه أشمل، فما معنى وجود عشرات الجمعيات أو المؤسسات التى تحمل أسماء المؤسسة الدولية أو الاتحاد العالمى أو العربى أو الإفريقى فى مجال الإعلام. مثلًا هناك ١٣٠ جمعية تحمل لقبًا أو أسماء إعلامية، وهناك نقابة مهنية للصحفيين وأخرى تحت الإنشاء للإعلاميين، وفى مقابلهما نقابة للصحفيين المستقلين وأخرى للإعلام الإلكترونى وثالثة للعاملين فى وسائل الإعلام ورابعة للمراسلين فى الصحف والفضائيات، كل منها تمنح ألقابًا ولبعضها حق إصدارات البطاقات وتحت لافتة كل ذلك يتم إفراز طبقات ومهنٍ جديدة وهمية ويقع تحت وسائل نصبها عديد من الضحايا ولعل نجاح إحداها فى جذب ١٤ ألف عضو، للأسف منهم صحفيون وإعلاميون يدفعون اشتراكات سنوية مقابل خدمات شبه وهمية، فى النهاية دليل على مدى تغلغلها.
وعبر وسائل الإعلام المختلفة تطالعنا يوميًا عشرات الدعوات لمؤتمرات تحت رعاية وزراء أو مسئولين كبار تنظمها مثل هذه المؤسسات، ما يعطيها مصداقية لدى القارئ أو المشاهد.. ليس مجال الإعلام وحده ولكن هناك جمعيات جديدة بدأت تظهر يرتبط اسمها بمنظمة الأمم المتحدة، وهى منظمات وهمية تمنح ألقابًا مثل سفراء ما بين سفراء النوايا الحسنة وأصبحت الألقاب تُمنح لأسماء لا علاقة لها بالمسمى فتحول كل الممثلين إلى سفراء، وتحول مدعو العمل الاجتماعى والإعلامى إلى سفراء واستشاريين، وبدأ عشرات آخرون فى افتتاح مكاتب تحت مسمى منظمات التحكيم الدولى والمدنى والعربى، وتمنح أيضًا كارنيهات وألقابًا بدءًا من المحكم الدولى وانتهاء بالمستشار.
حالة الفوضى هذه ساعدت على خلقها حالة السيولة التى عانت منها الدولة بعد يناير ٢٠١١ وتركتها الأجهزة تتوسع وتكبر وتتضخم يومًا بعد يوم.. وما بين لقب السفير والمستشار وبين لقب الدكتور تحول المجتمع إلى منتج لألقاب غير حقيقية ستخلق فى كل الأحوال فوضى تنتهى إلى خلق مجتمع أو مصر موازية لمصر الحقيقية.
ضبط هذه الحالات وإعادة هيبة الدولة أرجو أن يكون إحدى مهام هيئة الرقابة الإدارية، فقد سقط أحد المحافظين فى براثن نصاب من هؤلاء، وتعرض وسيتعرض مسئولون ومؤسسات فى الدولة يوميًا لاقتراحات من حملة هذه الألقاب وأصبحنا لا نعرف من هو المستشار الحقيقى، وقابلتنى حالات كثيرة فى عملى وفى الحياة يقدم نفسه وبكل بجاحة على أنه المستشار فلان وبعدها تكتشف أنه حاصل على الإعدادية أو دون مؤهل.. ورغم العبء الملقى على هيئة الرقابة الإدارية فإن مواجهة هذه الفوضى وضبط سيولة الألقاب وإغلاق هذه المكاتب التى ملأت مصر سواء بالقاهرة أو الأقاليم أصبحت ضرورة مهمة لإعادة هيبة الدولة أولًا وإعادة الاحترام إلى تلك الألقاب ثانيًا، وثالثا وقف حالات النصب باسم هذه المؤسسات والألقاب.
وعلى وزارة التضامن الاجتماعى النظر مرة أخرى فى التصاريح الممنوحة لأكثر من أربعين ألف جمعية ومؤسسة وعدم منح أسماء لجمعيات تحمل صلة بمنظمات عربية أو دولية إلا بعد الحصول على خطاب رسمى من هذه المؤسسات وإحالة الطلبات المقدمة من هذه المؤسسات إلى الجهات الرسمية التى تعمل فى هذه الميادين للتأكد من حقيقة مؤسسيها، فهذه الجمعيات والمؤسسات تتحول فيما بعد إلى أحد أهم منافذ اختراق المجتمع.
نحن أمام مجتمع موازٍ أو دولة موازية يتم إنشاؤها بحرفية ودقة لتصل بنا فى النهاية إلى إسقاط الدولة.. لدينا جمعيات أهلية ومؤسسات مدنية تحمل أسماءً وهمية لها صلة بأسماء مؤسسات دولية وعربية وتستغل ذلك فى منح ألقاب وهمية.. لدينا مراكز تدريب وهمية تدعى صلتها بجامعات دولية وتمنح شهادات وهمية بدعوى أنها دكتوراه فخرية.. لدينا مكاتب تحت مسمى مراكز التحكيم الدولى تمنح شهادات وهمية باسم مستشار فى التحكيم الدولى.. لدينا إعلام ومعدون يقعون فى الفخ يقدمون لنا من يدعى الخبرة فى مجالات مختلفة، فيكرسون بذلك ما تنتجه هذه المراكز والجمعيات.. لدينا بالفعل حالة من السيولة والفوضى يجب أن تواجه.. إنها أحد أساليب الحرب أن تفقد الألقاب العلمية والسياسية هيبتها، فتجد أمامك الآلاف الحاصلين على شهادات دكتوراه فخرية فتفقد بالتالى احترامك لحامل الدكتوراه الحقيقية ثم تفقد احترام الدول اللقب المصرى ومن ثم الشهادة المصرية.
لا نريد دولة موازية ولا نريد ألقابًا وهمية.. أعيدوا للدولة هيبتها قبل أن تسقطها هذه الحرب المنظمة.