رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافى يكتب: كأس فودكا فى صحة الكاتب المقهور


«.. لماذا لا ينسحب الرجال عندما يسقط المسرح فوق رءوسهم؟ لماذا لا يعودون إلى غرف نومهم قبل أن يسمعوا لعنات الناس الحادة؟ لا أحد يستطيع أن يستأجر بيتًا فى كل الأزمنة والعصور.. ومهما تكن الصبغات والمساحيق، فإن الزمن كفيل بإبراز تجاعيد النفس قبل كرمشة الوجه..».

هكذا كتب عادل حمودة منذ ثلاث سنوات قاصدًا «هيكل»، واليوم وبعد قراءة الفصل المنشور من مذكراته بصحيفة «أخبار اليوم» أُعيد عليه سؤاله الوجودى: لماذا لا تنسحب وتتوقف عن وضع الصبغات والمساحيق؟

كنتُ قد طويتُ صفحة عادل حمودة منذ ٢٠١٣، فقد أنهيت عليه تمامًا فى فصل كامل من كتابى «فودكا» واعتبرته بضاعة أتلفها الهوى والغيظ والغل من كل البشر، رأيته عاريًا تمامًا وهو ينقلب على أستاذه «هيكل» الذى عاش يعبده ويتقرب إليه، وفى النهاية يصفه بالمخبول، وفاقد الذاكرة والكاذب!.
واعتقدتُ أن استعراض مقالاته فى ذم هيكل، ومقارنتها بما كتب من مجلدات المديح والثناء كفيلٌ بأن يمسح اسمه من الوجود، ولمّا بخل الوجود قمتُ أنا بمسحه من ذاكرتى تمامًا واعتبرته «عدمًا»، وعندما عرفت أنه ينوى نشر صفحات من مذكراته بصحيفة «أخبار اليوم» استبشرتُ خيرًا وتوقعت أن يتطهر ويكتب اعترافات حقيقية يُنهى بها حياته وتليق بمشواره فى المهنة، لكنه بدأ المذكرات، صباح السبت الماضى (٦ يناير ٢٠١٨)، بالحديث عن قضية صحيفة «الفجر» مع شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى، وهى التى كانت حديث الصحف وقت حدوثها فى (٢٠٠٨) ولم تخلُ صحيفة، آنذاك، من تبادل كواليسها غير المنشورة، والتى كانت جميعها تكشف ندالة وخسة ومحاولات دائمة للتملص من القضية، وتلبيس «محمد الباز» فيها، مستخدمًا نفوذه وقدرته على دخول بيوت الخصوم، وقد ذهب بالفعل إلى شيخ الأزهر بباقات من الورد، لكن شيخ الأزهر ردّه وقتها رافضًا مساومته وابتزازه عاطفيًا، وعاد «عادل» يجر الخيبة والكسوف والرغبة فى الانتقام.

كنا نعرف الكثير عن القضية التى عُرفت إعلاميًا باسم قضية «إهانة الأزهر»، التى بدأت فى مارس ٢٠٠٨ وانتهت فى أكتوبر من العام نفسه، عندما قضت المحكمة بتغريم الطرفين «عادل حمودة ومحمد الباز» ١٦٠ ألف جنيه، ٨٠ ألفًا لكل واحد منهما بتهمة سب وقذف الشيخ، وكانت وقائع القضية تقول إن الذى كتب المقال هو محمد الباز، وإن الغضب الذى انتاب شيخ الأزهر كان بسبب الصورة المصنوعة بالجرافيك، التى تصور شيخ الأزهر يرتدى زى بابا الفاتيكان، واعترف محمد الباز فى المحكمة بمسئوليته الكاملة عن كتابة المقال، ورفض أن يقول إن «عادل» هو المسئول مسئولية كاملة عن الصورة، وحاول مع فريق الدفاع تفريق دماء الصورة بين جميع العاملين بالصحيفة لتصعيب مهمة المحكمة.. تلك هى الوقائع التى كان الوسط الصحفى يعرفها.
لكنك يا أخى، عندما تقرأ ما كتبه عادل حمودة عنها تجد نفسك مصابًا بحالة قرف وملل من هذه الوجوه التى احترقت عشرات المرات، وما زال الجلد «التخين» يغطيها، فلا تتورع عن ادّعاء بطولات كاذبة، فمن أول سطر وحتى النهاية أنت أمام فارس مغوار يقف وحيدًا فى مواجهة الجميع، هو الصامد وهو الذى صنع الأزمة - وحده - ولم يكن معه أحد! هو الذى تصحو دوائر الحكم وتنام لكى تترجاه أن يسافر للخارج حتى ينجو من الحبس بينما هو يتمسك بالوطن والحرية مهما كانت الصعاب.. الدكتور أسامة الباز يذهب إليه ليقول له «السيف هذه المرة يلمس جلد رقبتك، ومبارك مشغول بصحته وليس فى الرئاسة من يتحمس لإقناع الشيخ بالصلح‬»، وعادل يخشى على البورصة أن تنهار فى بلاده إن هو فعلها وسافر!، فالعالم كله من منظمات حقوقية سيتضامن معه ويحاصر مصر التى يحبها من كل قلبه! والمواطنون الشرفاء فى كل مكان يتلهفون إلى لقائه ومساندته ودعمه فى موقفه الخالد، يقول عادل حمودة بخيال سينمائى ردىء: «قبل أن أخرج من المحكمة، اقترب منى ضابط برتبة عميد هامسًا: دعوت الله أن يبعدك عن السجن، حتى لا أضعك فيه بنفسى، فكل عائلتى تحترمك وتقدرك ولا تتمنى أن يصيبك مكروه يحرمنا مما تكتب كاشفًا من الحقائق ما نعجز عن الوصول إليه».

ما هذا الهراء يا عزيزى عادل؟! وهل هذا تصورك عن فن كتابة المذكرات؟، ألم تقرأ ماكتبتْ قبل النشر حتى تتخلص من هذه الركاكة فى الخيال والأسلوب والكذب أيضًا، ألا تعرف أن التاريخ القريب جدًا يصعب تزييفه على هذا النحو من الفجاجة والغرور؟!
القهر قد يصنع هذا بالرجال، نعم، ليس هناك ما هو أصعب من القهر الذى تعرض له عادل حمودة فى حياته، فمن ينسى ما حدث فى أزمة صحيفة «الأهرام» مع المنظمات اليهودية التى رفعت دعاوى قضائية أمام المحاكم الفرنسية ضد إبراهيم نافع عام ٢٠٠٠ تتهمه بمعاداة السامية، وقامت الدنيا ولم تقعد وأعلنت العواصم العربية والإسلامية تضامنها مع رئيس تحرير الأهرام ورئيس مجلس إدارتها، ولم يتذكر أحد اسم «عادل حمودة» صاحب المقال «الأزمة» المنشور بالأهرام بعنوان «فطيرة يهودية من دم العرب».

وبعد ثورة يناير تعرض «حمودة» لقهر هو الأصعب والأشد ضراوة، فقد كان يتهيأ لوراثة هيكل بعد أن عاش سنوات يرضع منه، متأملًا خبراته وثقافته الواسعة، وأصدر كتبًا تضم حوارات الأستاذ وحياة الأستاذ وأحلام وكوابيس الأستاذ، وكاد يصبح الوريث الشرعى، لكن «هيكل» لم يكن قد شبع من النجومية بعد!، وركب ثورة يناير وسيطر على المشهد بمعلوماته الغزيرة! وعندما جاء المجلس العسكرى سعى إليهم واستعانوا به! وتبادل اللقاءات مع المعزول محمد مرسى وقدّم إليه النُصح، واقترب من السيسى ولم يتوقف عن الحضور حتى رحيله.

كل ذلك كان يحدث وهناك كاتب «مقهور» ينتظر فى أدب جمّ أن يُفسح «الأستاذ» المجال ولو قليلًا! لكنه لم يفعل، فانفجر التلميذ غضبًا وحزنًا وقهرًا ووجّه طعنات متتالية إلى هيكل وأولاده، وإبراهيم المعلم وعائلته، وكشف المسكوت عنهما فى مقال حمل عنوان «كاتب وملك وسبعة رؤساء والبقية تأتى».
عمومًا.. خيرًا فعل الصديق محمد الباز، الذى بدأ فى كتابة القصة الكاملة للقضية تحت عنوان «رأيت الله فى محكمة جنايات الجيزة»، فقد آن الأوان كى تسقط الصبغات والمساحيق، وتظهر تجاعيد النفس البشرية.