رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبد الشافي يكتب: الآلة الحاسبة فى 90 دقيقة!


ارتديتُ ملابسى كاملةً واستحسنتُ فكرة تناول فنجان قهوة قبل الخروج للعمل، لكننى تعثرتُ فى الآلة الحاسبة وقصتها مع تلاميذ الصف الخامس الابتدائى!، فبينما الدخان يتصاعد من الفنجان فى صباح مُشمس وفكرة المقال الأسبوعى قد تبلورت عن العام الجديد وما تحقق لمؤسسة الدستور خلال عام ٢٠١٧ من نجاحات متتالية بفضل الله وإصرار الزملاء والأصدقاء، إذ فجأةً أغرقُ فى حسابات وأرقام وقضايا تخص مستقبل التعليم فى مصر!.

كنتُ قد انسحبتُ من لسانى وطلبتُ من ابنى مروان أن يجلس معى قليلًا قبل الذهاب إلى العمل، فاليوم هو الأول فى العام الجديد، والآباء فى الأفلام الأجنبية يهتمون بتقديم موعظة لأولادهم عن التفاؤل والأمل والاستعداد لاستقبال شمس العام الجديد بمزيد من الأحلام، وقبل أن أمسك بالميكروفون وأتقمص دور الأب الصالح، سألنى: عايز تكتب مقال حلو ويجيب لك «لايكات كتير»؟!، وأربكنى السؤال وأجبتُ بسرعة: طبعًا، عندك أفكار؟
- اكتب عن اللى حصل معايا فى امتحان الماس.
- ماس!
- الحساب يعنى يا بابا
- آه.. ماله؟
- خدوا منى الآلة الحاسبة قبل دخول الامتحان، وقالوا الوزارة منعت الآلة الحاسبة
- طب يا مروان ده كلام كويس
- إيه اللى كويس يا بابا؟!
- إنك تدخل الامتحان من غير آلة حاسبة وتعتمد على دماغك انت.. الآلة هتوقف تفكيرك
- ومين اللى علمنى استخدم الآلة أصلًا؟
- ما أعرفش أنا ما ليش فى الرياضة والماس والحساب والحاجات دى
- اللى علمنا نمسكها ونستخدمها هى المدرسة والوزارة نفسها
- طيب يا عم بالراحة.. واحدة واحدة
- لأ يا بابا.. ما هو صاحبك جاب الوزير فى البرنامج وسأله عن الآلة الحاسبة والوزير قال ما فيش قرار وماما كانت بتتفرج واسألها.
وبحلقتُ كالعبيط التائه بين دهشة اكتشاف كل هذا القدر من الحصافة والذكاء لدى الولد الصغير والخوف عليه من الحسد و«ما يحسد المال إلا صحابه»، وبين الورطة التى وقعتُ فيها والتى ستجبرنى على سؤال «ماما» التى هى زوجتى، فصاحبى أو صديقى الذى يقصده هو الدكتور محمد الباز والبرنامج هو ٩٠ دقيقة، ومروان فى الصف الخامس الابتدائى، وقصة الآلة الحاسبة لا تستحق كل هذا الحوار العبثى الذى سيمنعنى من تقمص دور الأب الصالح وإلقاء موعظتى فى مطلع العام، ثم إننى لم أشاهد هذه الحلقة تحديدًا فماذا سأقول لصديقى محمد الباز؟، وبينما أنا مشغول فى كل ذلك كان مروان يسحبنى إلى غرفة نوم والدته التى هى زوجتى، ووجدتها تؤكد كلام مروان، وتطالبنى هى الأخرى بالكتابة عن هذا الموضوع الخطير!، وظننتها تمزح، لكنها اعتدلتْ فى جلستها وأزاحت إيشارب الصلاة وبدت على ملامحها الجدية وهى تستشهد بما جاء على لسان الوزير فى ٩٠ دقيقة حول قصة «الآلة الحاسبة» مع تلاميذ الصف الخامس الابتدائى تحديدًا، وقالت إن هناك قرارًا يسمح باستخدامها فى التيرم الثانى من الدراسة، وقرارًا آخر يمنع دخول الامتحانات بها فى الفصل التيرم الأول، وهناك معايير لنوع الآلة الحاسبة المسموح باستخدامها وهى العمليات الأربع من جمع وطرح وضرب وقسمة، وليست الآلة العلمية المتطورة.. (!!).
وتحولتْ الغرفة إلى أرقام وعمليات حسابية فى لحظة، ومروان بيننا يزداد حماسًا للموضوع، ويفاجئنى بأنه يريد الظهور فى البرنامج عشان يتكلم هو مع الوزير!، ويطالبنى بصفتى صاحب الدكتور محمد الباز رئيسى فى العمل أن أكون وسيطًا له عشان يتكلم عن كل حاجة فى موضوع التعليم!!.

وغرقتُ فى القصة كأننى أمام فيلم كارتون لا أعرف إن كانت قضية الآلة الحاسبة مهمة لهذه الدرجة أم أن هناك مبالغات منزلية، واتصلت بالصديق محمد الباز وضحك، وقال إن القصة من أيام مبارك وحسين كامل بهاء الدين، ورجعت تانى أيام الهلالى الشربينى، ولغاية دلوقتى ما فيش وزارة حسمت الأمر، وكل سنة بتحصل اللخبطة دى فى الإدارات التعليمية وتلاقى مدارس تسمح وأخرى تمنع، وأولياء الأمور كل سنة يتفاجأوا بقرار، إنت عايز تنمى قدرات التلاميذ يبقى ما فيش آلة حاسبة من أساسه، إنما تعلم الولاد يستخدموها ويعتمدوا عليها وبعدين تقول لهم دى خطر وهتدمركوا؟! يبقى لازم تحصل لخبطة.

واللخبطة حصلت عندى أنا، فمن حلم الكتابة عن العام الجديد وشمس النهار التى نتمنى رؤيتها تشرق حولنا، إلى مشكلة خامسة ابتدائى مع الآلة الحاسبة، ومروان الذى يشد يدى من جديد ليسألنى: أنا لما أطلع فى البرنامج ها أقول لعمو محمد يا عمو، ولاّ يا دكتور، ولاّ حضرتك؟!.