رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإنجيليون ومنشور الأوقاف


فاجأني أحد رجال الإعلام بمكالمة لم أتوقعها ، فقد كنت عائداً من زيارة للولايات المتحدة استغرقت عدة اسابيع ، وبعد دقائق من دخولي المنزل دق جرس التليفون وكأن السائل يعرف على وجه الدقة لحظة دخولي ، وكان السؤال أكثر غرابة. لماذا يحذر وزير الاوقاف

من التعامل مع الكنيسة الإنجيلية؟ ولم أجد رداً على المتصل أكثر من الربط الجغرافي بين جامع عمر مكرم وكنيستنا الانجيلية بقصر الدوبارة.

ومع أن التجاور الجغرافي لا يبرر المقاطعة بل على العكس كان للمسجد والكنيسة بموقعهما على امتداد ميدان التحرير الأثر البالغ في نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير فكلاهما فتح الابواب دون أية محاذير لكل محتاج فالعلاج والإسعافات وحتى الوجبات الغذائية كانت تقدم للثوار على مدار الساعة دون توقف ودون تمييز لأي سبب كان لا في الدين ولا في النوع ، فالعلاج والمعالجين والمحتاجين من المسلمين والمسيحيين. ولم تتحرج الكنيسة أن يقيم الأطباء والطبيبات فروض الوضوء والصلوات في داخل الكنيسة الأمر الذي يستوجب – على الأقل – كلمة شكر وتقدير لرعاة الكنيسة وقيادات المسجد على المجهودات والتضحيات والعطاء والسخاء لكل محتاج يلجأ الى الموقعين ، بل كان للمسجد والكنيسة أورع الصور التي نقلتها كافة وسائل الإعلام العالمية والمحلية.

أما ما لم أفهمه شخصياً ويشاركني في ذلك العديد من الاخوة الزملاء من قيادات الكنائس وكذلك الأصدقاء من الأحباء المسلمين الذين رأوا في هذا القرار كل الغرابة ، بل هناك من رأى فيه الدعوة الى الكراهية ورفض الآخر.

ولكي أكون أكثر صراحة مع القارئ وقبله جميع الاخوة المسلمين والمسيحيين ، فإني كنت على استعداد للاتصال بفضيلة الشيخ وزير الاوقاف ، وقد جمعتني به زيارة وحيدة لتهنئته عقب اختياره وزيراً للاوقاف، وكان بيني وبينه في تلك الجلسة لفتة من جانبي تستحق التقدير ومدى الاستعداد للتعاون في الموضوعات التي تمس الوطن والعلاقات الانسانية ، وكان حوارنا لا تنقصه الصراحة والاخلاص والمودة المتبادلة.

أما ما الجأني للكتابة أن خبر المقاطعة المعلنة من جانب فضيلته جاء بالعديد من وسائل التواصل كما عرض القرار على شاشة التليفزيون بكل وضوح من السيد محمود سعد الاعلامي المتميز والموضوعي والوطني الذي أعرب عن دهشته ومخاوفه من آثار هذا القرار الذي لم يصدقه العقل، وإن كانت لم تخطئه العين ، فالمنع أو التحذير من التعامل جاء شاملاً كافة المحافظات المصرية دون مبررات مما يعني العمومية في التحذير.

وسؤالي لفضيلته هل العلاقة الودية الكريمة تحتاج إلى منشور لوقفها مع ما يترتب على ذلك من آثار؟ وهل هناك علاقات تجارية أو وظيفية أو تبعية من أي نوع حتى تستوجب قرار يعمم؟

هل راجعتم فضيلتكم ما قدمه الانجيليون للاوقاف في كل الوقفيات التي اوقفها الانجيليون على فقراء المسيحيين والمسلمين فترتب على ذلك أن تقاسمت وزارة الاوقاف مع الكنيسة الانجيلية مناصفة في اوقاف المسيحيين الانجيليين ، الأمر الذي أسعد وزارة الأوقاف باقتسام أملاك الإنجيليين ، في حين أنه لم يحدث العكس ولو في وقفية واحدة.

وبهذه المناسبة أوجه الشكر والتقدير والاحترام للاستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق الوزير السابق للاوقاف لتعاونه في حل مشكلة أوقاف المسيحيين بعموم كنائسهم، وبالطبع قد استفادت وزارة الاوقاف .

ومع مرور أكثر من يومين ، وبتعاون من رئاسة الجمهورية ، وأخص بالتقدير الدكتورة الفاضلة باكينام الشرقاوي مساعدة الرئيس التي استجابت لمطلبي وقامت باتصالاتها بالوزارة ، وبعدها بدأن الأمور تستوضح من جانب الوزارة ، إذ كان النداء موجهاً لعدد محدود قد لا يتجاوز أصابع اليدين ، يشارك في منتديات ولقاءات مع عدد من قسوس الكنيسة وقيادات المجتمع للتدارس والتفاهم المشترك لبناء علاقات متوازنة وتفاهم مشترك لا يشوبه إلا روح التفاهم والكرامة والتقدير ، وهذه البرامج تدعو للتواصل والتفاهم وبناء الجسور ، كما أن الدعاة الذين يشاركون في مثل هذه اللقاءات يساهمون باخلاص ووفاء للمجتمع وبدافع وأد الفتن ودعم العلاقات الانسانية وحل المشكلات التي قد تنشأ لأتفه الاسباب إلا للفقر وندرة فرص العمل والمعاناة التي تدفع الناس إلى التشاحن والتطاحن وسفك الدماء، فالعاطل والمحتاج لا يهتم كثيراً بالمصير، فالسجن لن يؤثر كثيراً في من فقد الأمل في العيش الكريم، بل حتى الموت يهون على النفس عندما تضيق الدنيا.

وهنا نتذكر بيت الشعر الذي تركه حافظ ابراهيم لخاله الذي تولى تربيته في ظروف معيشية صعبة ترك له هذين البيتين

ثقلت عليك مؤنتي إني أراها واهية

فافرح فإني ذاهب متوجهٌ في داهية

فالدواهي تهون على الانسان الذي أهمله المجتمع وأذله البحث عن لقمة العيش وستر العورة.

إنني أدعو وزارة الأوقاف بما لها من أملاك قدمها أصحاب الخير يوم أن كان خيرهم يفيض ، وعطاءهم يزيد وشعورهم بالمسئولية تجاه الفقراء يقظاً ، فتركوا ثرواتهم لتنفق على المحتاجين وكانت جهات البر محددة في الوصايا ، إلا أن الأنظمة الحاكمة استولت على هذه الممتلكات ، وغلت يد الجهات التي حددها الواقفون ولعشرات السنين استفادت الوزارة ، إلى أن أعيد إلى الجهات المعنية النذر القليل من اوقافها دون تعويض عن السنين الطويلة التي استغلت فيها هذه الممتلكات.

وكانت نتيجة ذلك أن توقف الأغنياء – إن وجدوا – عن تقديم بعض ما يملكون للصرف على احتياجات المحتاجين الحقيقيين ، لذا أدعو وزارة الأوقاف والجهات المعنية باستعادة ثقة الناس بها حتى يمكن لمن حباهم الله بالخير أن يتركوا أجزاء مما أعطاهم المولى وليختاروا من يرون أنهم قادرون على تحقيق أهداف الواقفين للأرض أو المال . وبذلك يكون قد ساهم قطاع كبير من المجتمع في حل أزمة الفقر والجوع والمأوى.

إنني أناشد السيد وزير الاوقاف وكل مهتم بالفقراء والمرضى وكل ذي حاجة.

صحيح أن بناء الثقة يحتاج إلى الوقت والجهد، ولكنه ليس بالأمر المستحيل فقط لنقم بواجبنا في هذا الإتجاه لا بالمقاطعة بل بالتعاون على البر والتقوى ، لا على الإثم والعدوان.

إنها دعوة لمجتمع غال وعزيز كان لوزارة الاوقاف الحافز اليها بمنشور جانبه الصواب في التوقيت والتعبير، ولكن ربما ضارة نافعة، والنفع كله لبلدنا الحبيب الذي نخشى عليه من أي مكروه يصدر عن أي جهة كانت.

أما محبتنا وتعاوننا وإخلاصنا فكلها قيم انسانية روحانية لن نتخلى عنها ، بل نسعى لرفع درجة العطاء والحب والوفاء للناس أجمعين عملاً بوصية إلهنا أعطوا تعطوا ، للجاءع طعاماً والعريان كساء والغريب مأوى والمريض دواء ، ليس فقط للأهل والعشيرة ، بل لكل محتاج دون انتظار لمقابل من انسان ، فالله – سبحانه – يرى في الخفاء ويجازي علانية.

وإلى الأحباء جميعاً في الوطن العزيز قلوبنا مفتوحة وأيدينا ممدودة وعفى الله عما سلف ولنبدأ صفحة جديدة ناصعة البياض إلا من كلمات الحب وقلوب الجود والعطاء.

كانت جلستنا يوم الاثنين 15/4/2013 مع بعض من قيادات الاوقاف ، تبادل فيها الطرفان كل الود والتقدير ، مع الاستعداد الكامل للاستمرار في التعاون كما كنا ، وهكذا سنكون ، وكل ذلك في وضوح وشفافية وتعاون مشترك. حفظ الله مصرنا جميعاً من كل مكروه.