رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريعة الغاب.. ودولة اللا قانون


أيها الرئيس.. مازالت الفرصة أمامك.. إما أن تضع مصر على الطريق الصحيح الذى يتناسب مع تاريخها وجغرافيتها وإمكانياتها البشرية وثورتها.. وإما أن تخربها وتبيعها و«تجيب عاليها واطيها».. فالخيار الأول مرتبط بطاعتك لأوامر الله ورسوله.. أما الخيار الثاني.. فهو رجس من عمل أبالسة الإنس والجان معاً.. اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.

والله مشهد نادر حدوثه فعلاً فى أى دولة تطبق القانون.. لكنه أصبح عادياً الآن فى دولة اللا قانون.. هذا الذى نشرته بعض الصحف وبثه عدد من الفضائيات منذ ثلاثة أيام لشابين معلقين بالحبال من أقدامهما فى أعمدة حديدية بموقف سيارات فى قرية «محلة زياد» التابعة لمركز سمنود ـ غربية ـ وذلك عقاباً على خطفهما لطفلة لم يتعد عمرها العشرة أعوام وشقيقها الصغير داخل «توك توك».. هذا النوع من الثأر يؤدى بنا إلى تطبيق «شريعة الغاب».. صحيح أن الشابين يستحقان الإعدام كنوع من الردع لكل من تسول له نفسه بارتكاب مثل هذه الجرائم.. لكن بشرط أن يكون القضاء هو من يحكم عليهما وليس الأهالي!!.

ورغم أننا نعيش فى حالة من الفوضى الأخلاقية والأمنية نتيجة عبث أياد خفية بمستقبل البلاد بعد ثورة 25 يناير المجيدة لإفشالها.. لكن هذه الأوضاع ليست مبرراً على الإطلاق لأن نهمش دور الشرطة والقضاء ونقتص بأيدينا من اللصوص والبلطجية لدرجة أن نعلقهم كالبهائم بعد ذبحها!!.. وفى اعتقادى أنه فى ظل الظروف الحالية سيستمر هذا المسلسل وبهذه الوحشية كلما زاد معدل الفقر وتفاقمت مشكلة البطالة وتلاشى الأمل فى غد أفضل لشعب قام بثورته ضد الظلم والفساد الذى جثم على صدره قرونا ثم فوجىء بأحلامه تتبدد.

الغريب فى هذه الواقعة أن الأهالى قاموا بسحل الشابين قبل تعليقهما بالقرب من نقطة شرطة فى القرية نفسها!!.. وحتى نقف على أصل هذه الظاهرة لابد أن نرجع إلى أصل المشكلة ونسأل أنفسنا: ما الذى جعل هذين الشابين يرتكبان هذا العمل الإجرامي؟؟.. وما الذى جعل الأهالى يتناسون دورالشرطة والقضاء ويلقون القبض على المجرمين ويقيمون لهما المحاكمة التى أدت إلى اعدامهما بهذه الطريقة البشعة؟؟.

الإجابة على السؤالين السابقين أصبحت مكشوفة للجميع فمن الواضح أن المجرمين تجاهلا دور الأمن والقضاء معاً وقاما بفعلتهما.. كما أن الأهالى تأكدوا من نفس الشيء.. فعندما يحاول النظام الحالى أن يزج بالشرطة لتواجه الشعب لأهداف لم تعد خافية على أصحاب البصر والبصيرة.. وعندما يدوس النظام على القضاء بقدميه.. فإن الوضع فى هذه الحالة يؤدى إلى النتيجة الحتمية التى رأيناها.. وهى ألا ينتظر الشعب أى أمل فى الحصول على أمنه واستقراره من هذين الجهازين..ومن ثم رأيناهم الأهالى يطبقون القانون بطريقتهم الخاصة.. ولسنا هنا بصدد تبرير الواقعة.. بل الوصول إلى حقيقة ونتيجة ما يجرى الآن.

ولعل ما يشهده جهاز الشرطة حالياً من اعتصامات وإضرابات نتيجة تردى أوضاع رجاله والزج بهم فى قضايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. قد جعل بعض الجماعات المنتمية لما يسمى بـ «الإسلام السياسي» تقبل على تكوين جماعات تسمى «اللجان الشعبية» حتى تقوم بدور رجال الأمن.. وهو الأمر الذى رفضته الشرطة رفضاً باتاً.. ورغم ذلك فإن هذه الجهات تصر على مطالبة النظام بتقنين أوضاع لجانها الشعبية تحت القانون الإخوانى المزمع إصداره من قبل النائب العام والمسمى بقانون «الضبطية القضائية» وهو القانون الذى يعطى للمواطن كل الحق فى إلقاء القبض على مواطنه لسبب أو لآخر.. ومن ثم يدخل المجتمع فى حالة من الفوضى أكثر مما هو فيه الآن.. والنتيجة تكون «حرب أهلية» تأكل الأخضر واليابس!!..

والسؤال المطروح فى قضية إعدام هذين الشابين على النحو الذى رأيناه هو: ما موقف رجال المباحث فى محافظة الغربية؟!.. ثم ما موقف القضاء أيضاً فى هذه الجريمة مكتملة الأركان؟!.. فهل ستقوم وزارة الداخلية باعتقال جميع أهالى القرية والذين قد يصل عددهم لأكثر من 40 ألف نسمة؟!.. وهل سيحاكم القضاء كل هذا العدد؟!.. أعتقد أن هذا الوضع أصعب من أن يعالج بواسطة وزارتى الداخلية والعدل فجريمة من هذا النوع تصنف على أنها «قضية رأى عام».. ولابد من التعامل معها بنوع من الشفافية والحزم والحكمة فى آن.. وإلا فإن المستقبل سيحمل لنا ما هو أسوأ من هذه المشاهد فى زمن الإخوان ووزير داخليتهم ونائبهم العام.

فعندما ما يطبق الأهالى العدالة بأنفسهم ويهمشون دور الداخلية والقضاء.. فهذا يعنى سقوط هيبة الدولة وشرعية النظام.. لأن النظام قبل أن يكون سلطة فهو «هيبة» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني.. و«الهيبة» فى ظل النظام الحالى سقطت عندما أقسم الرئيس أنه سيحترم القانون.. ثم فوجئنا به ينقلب عليه ويتحلل من وعوده والتزاماته تجاه من انتخبوه.. ومن ثم كان هو «القدوة» فى سحق هامة الدولة وهيبتها.. فهل بعد ذلك نناشد المواطن احترام الدولة وقوانينها ونطالبه باللجوء للقضاء حتى يحصل على حقه؟!.

تلخيصاً.. أقول للرئيس إن التاريخ لن يرحمك.. وسيذكر أن مصر حكمها رجل بلغ من العلم مبلغه.. وأول خطاب له قال لشعبه «ليس لى عليكم حقوق.. وإنما على واجبات».. وظن المواطن أنك أيها الحاكم ستلبى له الحد الأدنى من الحياة الكريمة وتوفر له لقمة العيش وفرصة العمل وتحقق له العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التى نادى بها فى ثورته المجيدة.. لكن شيئا من هذا لم يتحقق!!.. وسيذكر التاريخ أن عددا من محافظات مصر فى عهدك يامرسى أعلنت استقلالها.. وأن القضاء أعطى نفسه إجازة مفتوحة بسبب ظلمك لرجاله.. وأن الداخلية خاصمت الشعب بسبب سياساتك الإخوانية.. وسيذكر التاريخ أن أم الدينا أصبحت «عزبة» يمتلكها رجال أعمال ووجهاء تنظيم سرى متهم بانتماء عدد من مؤسسيه للماسونية العالمية يسمى «الإخوان المسلمين».. سيذكر التاريخ أن جماعتك يامرسى تفرط فى الحفاظ على حدود مصر وأمنها القومى وفى حق شهدائنا الذين راحوا ضحية الغدر والخيانة فى سيناء وهم يؤدون واجبهم فى حماية وطنهم.

وأخيراً.. أيها الرئيس.. لم ولن ينسى لك الشعب دماء شبابه التى سالت منذ توليك منصبك خصوصاً فى أحداث الاتحادية ومجزرة بورسعيد الثانية والاعتداء على الفتيات والنساء فى ميدان التحرير.. ونصيحتى لك أن تستعد من الآن لتحمل المسئولية بشجاعة.. أيها الرئيس.. اليوم عمل بلا حساب.. وغداً حساب بلا عمل.. فاغتنم ما تبقى لك من العمر واصلح بينك وبين شعبك قبل أن تأتيك ساعة الحساب.

■ كاتب

mabdeen- هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.