رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من حفر حفرة لوطنه.. وقع فيها


لم يكن محمد مرسى فرداً عندما اختاره نصف الناخبين لكى يكون رئيساً للجمهورية، ولكنه كان جماعة، وعلى وجه الدقة نستطيع أن نقول: انتخب الناخبون جماعة الإخوان، نعم انتخبوها، بغض النظر عن سبب هذا الانتخاب، المهم أنهم انتخبوها وقبلوا أن يبرموا عقداً معها لكى تدير شئون البلاد، أما الذين يقولون إنهم انتخبوا فرداً فإنهم لا يعرفون طبيعة الانتماء لجماعة الإخوان .

محمد مرسى كان ممثلا للجماعة كلها فى هذه الانتخابات، كان ممثلاً لمشروعها الخاص، إلا أن هذا لا يعنى أن ممثل المشروع هو من يديره، منطق الشركات التجارية هو الذى يحكم جماعة الإخوان فى الحكم، فقد يكون رئيس مجلس الإدارة مجرد صورة فقط يرأس الجمعية العمومية، ويبرم بعض التصرفات العادية ولكن الإدارة كلها تكون فى الغالب الأعم «للعضو المنتدب» لذلك فقد أصبح لمصر عضو منتدب يديرها من خلف الرئيس .

جماعة الإخوان وهى تروج لمرشحها لم تقل انتخبوا مرسى الفرد، ولكن قالت : إن ميزة مرسى الكبرى أنه مؤسسة، وأنه يعمل وفقاً لقواعد العمل المؤسسى، أما المشروع الذى يشغل بال الجماعة فهو مشروع «فتح مصر» تمهيداً لدولة الخلافة التى هى المشروع الأكبر، لذلك فإن هناك مفارقة كبيرة فى هذه الانتخابات، ففى الوقت الذى انتخب فيه الناخبون مرسى، انتخبوه من أجل مشروع مصر، ولكن جماعة الإخوان لها مشروعها الخاص، هى قدمت مرسى للرئاسة كى يساعدها على تنفيذ مشروعها الخاص، لا لكى ينفذ مشروع مصر المدنية الحديثة، الرؤيتان مختلفتان بلا شك، وهذا هو السبب الرئيسى فى إشكاليات الحكم الحالية لاختلاف المشروعين واختلاف النظرتين .

مشروع «فتح مصر» هو المشروع الذى أطلقته الجماعة منذ سبع سنوات، وقتها أنكرته الجماعة حينما كشفه الأستاذ حمدى رزق فى «المصور» وأثبت القضاء صحته فيما بعد، وقتها كان يحق للجماعة إنكاره لأن كشفه يترتب عليه كشف طبيعة الأفكار الدينية التى تعتنقها الجماعة، ولكن بعد الثورة واختلاط المفاهيم وعشوائية التفكير اكتسبت الجماعة الجرأة على التعبير عن بعض أفكارها المخفية وعقيدتها التكفيرية المستترة، فوقف محمد مرسى فى استاد المحلة وهو يشرح للجماهير مشروع الجماعة الفكرى فقال: سنعيد الفتح الإسلامى لمصر، وفى مؤتمر آخر أمام مسجد عمرو بن العاص قال محمد مرسى للمرة الثانية: سنعيد الفتح الإسلامى لمصر !! لم يكن أمر فتح مصر إذن من فلتات اللسان بل كان مشروعاً كاملاً وخطة متعددة المراحل، وها هى جماعة الإخوان تقف على أعتاب المرحلة قبل النهائية لفتح مصر ثم فتح العالم العربى كله، فمصر هى منطلقهم للسيطرة على المنطقة كلها.

يعنى هذا المشروع أن جماعة الإخوان تعتنق فكرة أن الإسلام دخل مصر عن طريق عمرو بن العاص، ثم خرج منها فى عصر ما، وأصبحت مصر دولة كافرة لا علاقة لها بالإسلام، ومن ثم يجب فتح مصر من جديد لإدخال الإسلام فيها، وجماعة الإخوان هى رسول رب العالمين المكلف بنشر رسالته فى هذه الدولة اللادينية، ثم يمتد مشروع الجماعة إلى مرحلة أبعد من ذلك هى مرحلة إقامة دولة الخلافة التى تحدث عنها صفوت حجازى فى أحد مؤتمرات مرسى والتى ستكون عاصمتها القدس، مصر إذن هى على هامش المشروع الإخوانى، هى مجرد وسيلة أو أداة وليست غاية ترتجى لذاتها ولتاريخها ولشعبها، الوسيلة الإخوانية التى تؤمن بها الجماعة هى «تعبيد مصر» هذا التعبير الإخوانى قد يجهله معظم الناس، بل يجهله معظم من انتخب مرسى، ولكن هذا هو التعبير الذى كان يستخدمه الحاج مصطفى مشهور فى لقاءاته الإخوانية مع أجيال الجماعة، وهو نفسه التعبير الذى سارت عليه الجماعة وجعلته «أيديولجية» لها، وقد كان ظنى فى يوم من الأيام أن تعبير «تعبيد مصر» هو تعبيدها لله، ثم اتضح أن الإخوان يقصدون «تعبيد مصر لمشروع الخلافة» أى تصبح عبدة لهذا المشروع، لذلك حينما استغرب الناس من عبارة «طظ فى مصر» التى تفوه بها المرشد السابق مهدى عاكف، لم أستغرب، فما مصر إلا عبدة فى عيونهم قد خلت من قبلها العبيد، أفإن شُتمت أو أهينت غضبتم من الجماعة !! .

النظرتان مختلفتان إذن، مصر ترى نفسها سيدة، مصر تتحدث عن نفسها، وقف الخلق ينظرون إليها كيف تبنى قواعد الثورة وحدها، ووقف الإخوان ينظرون إليها على أنها عبدة لهم، وفى ظنهم أنه بعد أن تقع مصر فى أسر عبوديتهم بشكل كامل ستستدير الجماعة إلى باقى العرب لتعبيدهم، ولكن لأن جماعة الإخوان لا ترى إلا نفسها لذلك فهى لم تنتبه للمثل القائل «من حفر حفرة لوطنه وقع فيها» والجماعة الآن على وشك الوقوع