رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى مقال قديم..إصلاحيون والله أعلم!!


فى أواخر عام 2008 كتبتُ مقالا عن بعض الأمور الخفية فى جماعة الإخوان، رصدت فى هذا المقال استقواء الإخوان بالخارج من أجل الوصول للحكم، وبعد أربع سنوات من هذا المقال تحقق ما أوردته فيه، ولأن بعض المستجدين على الحالة «الإخوانية» يظنون أننى لم أكتب عن الذى يدور فى قلب الجماعة إلا مؤخرا، لذلك فإننى أعيد طرح هذا المقال للقراء إذ إنه يصلح فى تفسير ما حدث لنا أو بالأحرى ما حدث بنا .. وإلى المقال القديم :

«تقدم جماعة الإخوان نفسها للرأى العام على أنها جماعة مصرية إصلاحية تسعى للإصلاح ولا يهمها من قريب أو بعيد الاقتراب من الحكم أو الوصول إليه حتى إنهم عندما يُسألون عن الحكم وعن رغبتهم فى الوصول إليه يقولون: قال البنا ـ وفى قول آخر قال الهضيبى الأب ـ نحن نريد أن نُحكم بالإسلام لا أن نَحكم بالإسلام .. ولكن واقعهم فى حقيقة الأمر يختلف عن مقولتهم!! ورغم أن السعى نحو الحكم ليس مسبة أو عيباً أو حراماً إلا أن الإخوان ينكرونه ويمارسونه فى الوقت ذاته وكأنه الخمر المحرم الذى يتعاطاه أحدهم فى الخفاء ويرفضه فى العلن!! والإخوان يفعلون ذلك مرارا وتكرارا فى معظم الأمور فهم ينادون بالإصلاح ولا يمارسونه على أنفسهم .. ينادون بالديمقراطية علنا ويمزقونها سرا!! يرفعون عقيرتهم بالشعارات المنددة بأمريكا ويتغزلون بها فى الخفاء وفى اللقاءات الخاصة وكـأنهم يستقوون بها فى مواجهة الحاكم المصرى!!

أما عن الإصلاح فأظن أن أقوال المرشد الحالى التى ترفض مناقشة ما يحدث داخل الجماعة تكذّب كل دعاوى الإصلاح وتظهر لنا أنها دعاوى وهمية من وحى خيال أصحابها .. والأمر نفسه بالنسبة للديمقراطية ذلك أنه يستحيل أن تتطرق الديمقراطية لتنظيم عسكرى فى مفاهيمه يرفع من قيمة السمع والطاعة ويقضى على التفكير الحر المستقل.

أما عن الاستقواء بالخارج فى تاريخ وواقع الإخوان فالأدلة عليه متعددة ، وقد ظهر فى بادئ الأمر بتلك العلاقة الخاصة التى نشأت بين «البنا» و«الملك عبد العزيز آل سعود» – وقد استفاد الإخوان من تلك العلاقة إبان محنتهم مع عبد الناصر – وإذا رجعنا إلى وثائق الخارجية الأمريكية عن الفترة السابقة على ثورة يوليو نجد أن ثمة حوارات متعددة تمت بين الأمريكان وشخصيات نافذة فى الإخوان!! كما أن علاقة الإخوان بالإنجليز قبل الثورة كانت معروفة وقد كشفت عنها الوثائق التى قام الصحفى الكبير «محسن محمد» بترجمتها ونشرها فى كتابه المهم فى هذا الصدد ، وفى دراسة معمقة لعبد الله النفيسى – أحد قيادات الإخوان السابقين فى الكويت – كشف عن علاقات نشأت بين الإخوان والإمام الخومينى إلى الحد الذى دعا الإخوان إلى إرسال وفد تهنئة للخومينى فى بداية حكمه بإيران.

ومنذ ما يقرب من الثلاث سنوات كتب د.عصام العريان فى مجلة «الديمقراطية» -أحد إصدارات الأهرام- دراسة موسعة عن التجربة الإسلامية فى تركيا وباكستان، وألمح فى دراسته إلى أن سبب قبول مؤسسات الجيش فى هاتين الدولتين لحكم أحزاب إسلامية هو أن ثمة حواراً تم بين الإسلاميين والإدارة الأمريكية أدى إلى قيام الأمريكان بالضغط على الجيش حامى العلمانية لقبول حكم الإسلاميين.

وأعتقد أن الجميع يتذكر أنه بعد هذه الدراسة قام عصام العريان ومحمد عبد القدوس ومحمد مرسى - وهم من القيادات المعتبرة فى الإخوان- بإجراء حوارات مع بعض سفراء ومندوبين بدول أوروبية – وكان ذلك برعاية سعد الدين إبراهيم – وعندما انكشف خبر هذا اللقاء سارع الإخوان بنفى صلتهم به وزعموا أن هذه القيادات كانت تمثل نفسها ولا تمثل الجماعة، وأظن أن خطورة هذا الاستقواء وتلك المقابلات تشير إلى أهمية التدافع ناحية التحليل المتأنى لها ولأسبابها، فاللافت للنظر أن جماعة الإخوان سرعان ما تبادر إلى تكذيب هذه المقابلات أو تتنصل منها إلا أن هذا التكذيب يأتى كنوع من أنواع الدفاع عن الذات، وللحقيقة فأننى ألتمس للجماعة العذر عند تكذيبها لوقائع لا يصح تكذيبها، إلا أننى لا ألتمس العذر للباحثين عندما يتجاهلون هذه الصفحات ولا يولونها العناية الكافية فى البحث والنقد والتثمين، أما عن الدلالات السريعة المستفادة من هذا الأمر فتكشف عن الآتى.

1- أن الكثير من بيانات الإخوان ومقالات كتابهم فى الفترة السابقة كانت تستهدف الوصول إلى العقلية الأمريكية حتى إنهم سارعوا إلى نشر بعض المقالات فى صحف أمريكية يغازلون بها العقلية الأمريكية.

2- أن الإخوان فى سبيل حماية التنظيم ليست لديهم مشكلة فى التعامل مع إسرائيل وقد ظهر ذلك من خلال التصريحات التى كان عصام العريان قد أدلى بها لصحيفة «الحياة» اللندنية وتعهده بقبول اتفاقية «كامب ديفيد».

3- ظهر التطبيق العملى لتصريحات العريان فى البيانات التى ظهرت من المرشد بقبول وجود إسرائيل فى المنطقة وقبول التعامل معها كما ظهر هذا أيضاً من تراجع المرشد السريع عن تصريحاته بشأن «محرقة الهولوكست».

مما لا شك فيه أن الإخوان يعانون انعدام الرؤية السليمة كما أنهم يفتقدون النضج والوعى السياسى، والباحث فى تاريخ الإخوان يعرف بيقين أن الإخوان ما وقعوا فى محنهم إلا بسبب ضعف عقلياتهم السياسية، كما أنهم دائماً وأبداً يعيشون فى وهم أن المحن لم تكن بسبب الأخطاء ولكنها مجرد تمحيص من الله للصف حتى يميز الخبيث من الطيب، أما الاعتراف بالخطأ فلم يكن من ديدن الإخوان أبدا لذلك لن تجد خطاباً إخوانياً واحداً ـ علنيا أو سريا ـ يتجه صوب المراجعة والتصحيح والتصويب والإصلاح.

هذا بعض من كل وأظن أن ما كشفه الدكتور السيد عبد الستار المليجى عن تغلغل تنظيم سرى خاص فى عظام الإخوان وعن فكر متطرف منغلق يقودون به الجماعة ويسوقونها به نحو المجهول يحتم علينا أن نفتح حوارا عن أوراق مخفية فى حركة الإخوان