رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتاة بملابس سوداء مثيرة فى جنازة مصطفى مشهور!


ظنت فى البداية أنهم يرحبون بها باعتبارها ضيفًا من خارج جماعتهم جاء يشاركهم الحدث الجلل، فراحوا يتهامسون وصوبوا عيونًا غاضبة إليها، ومع وصول الجثمان لمكانه الأخير وفى أثناء مواراته الثرى تصاعد الغضب ليتحول إلى عنف لفظى تجاهها وتعالت أصوات الشباب تطالب بإبعاد تلك الفاجرة حاسرة الرأس التى ترتدى ملابس سوداء ضيقة!، ورغم ذهولها إلا أنها تماسكت وراحت تدافع عن حقها فى التواجد باعتبارها مراسلة لقناة دبى الفضائية فهى تؤدى عملها لتغطية أحداث أضخم جنازة شهدتها مصر فى منتصف نوفمبر 2002، حين توفى مرشد جماعة الإخوان «مصطفى مشهور»، فقد كانت جنازته إعلانًا عن ظهور «جيش» سرى مكون من آلاف الشباب قادم من المحافظات والأقاليم ليشارك فى تشييع «المرشد»، واخترقت الجموع الحاشدة شوارع القاهرة رافعة المصاحف من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر حتى مقابر «الوفاء والأمل»، فى إعلان واضح عن وجود «دولة» المرشد داخل عصب الدولة المصرية.

لم يهدأ الشباب الذى تربى على أن المرأة عورة وزانية إن خرجت وسط الرجال، ولم يستوعبوا ما قالته لهم عن «دورها الإعلامى» وتصاعدت هتافاتهم ضد كل من تدخل لحمايتها، ولولا تدخل «عصام العريان» لفتكوا بها ومن معها.

بعد هذه الواقعة بدأت الكاتبة «سوزان حرفى» فى تأمل هؤلاء الذين تجاوزت أعدادهم عشرات الآلاف، من أين جاءوا وكيف تمت تربيتهم على الولاء للجماعة ومرشدها وقيادتها من دون الله؟!، فقد كانت علاقتها بجماعة الإخوان تقف عند حدود القيادات وتصريحاتهم للصحف والقنوات، لكنها لم تتصور وجود كل هذه الحشود بملامحها الغاضبة وردود أفعالها العنيفة تجاه غير المنتمين لجماعتهم، واكتشفت خلال مسيرة بحثها أن الحديث عن وسطية «الإخوان» واعتدالهم مجرد أوهام لا وجود لها حتى بين هؤلاء الذين يعملون فى المجال الإعلامى أو السياسى، فالإخوان هم المسلمون «حصرًا» ومن عداهم من أهل النار حتى وإن كان مسلم الديانة!.

وتعترف «سوزان حرفى» بأنها كانت تجهل الكثير عن «الجماعة» وتنظيمها، لكن صدمتها الأكبر كانت فى اكتشاف «النظام الخاص» أو «جيش المسلمين» الذى تحدث عنه مأمون الهضيبى لأول مرة فى معرض القاهرة للكتاب عندما قال إن «الجماعة تتقرب إلى الله بأعمال النظام الخاص»، وتبدأ فى قراءة مذكرات قيادات الجماعة منذ حسن البنا لتكتشف أن «النظام الخاص» لم ينشأ لمحاربة الاحتلال الإنجليزى كما أشاع «البنا» ولكنه تأسس لحماية ظهر الدعوة من أعدائها الكفار كما يقول «صلاح شادى» رئيس قسم الوحدات فى هذا النظام، حيث يقول فى مذكراته «صفحات من التاريخ» الصادر عن الزهراء للإعلام العربى: «كانت فكرة الإمام حول هذا النظام تقوم على تكوين مجموعة من الإخوان الشبان المخلصين يتلقون تدريبًا عسكريًا يشبه تدريب فرق الصاعقة فى الجيوش الحديثة، وتكون مهمتهم حماية ظهر الدعوة من أعدائها الكفار»، وفى كتابه «الإخوان المسلمون .. أحداث صنعت التاريخ» يقول محمود عبدالحليم أحد قيادات النظام الخاص والمؤرخ الرسمى للجماعة: «أدرك المرشد أن الدعوة يجب أن لا تكون فريسة سهلة للإنجليز وأذنابهم من الحكام المصريين، بل يجب أن تكون شوكة لا يسهل التهامها، ومن هنا نبتت فكرة النظام الخاص للدفاع عن الدعوة».

وأدركت «سوزان حرفى» بعد قراءة عشرات المذكرات وتسجيل عدد من الشهادات أنها بصدد ميليشيات سرية، أسسها حسن البنا وتشعبت وتفرعت وأصبح المنتمى إليها يستحق لقب «الأخ المجاهد» بمعنى أنه أفضل درجة من باقى أعضاء الجماعة، فهو يخضع خضوعًا تامًا لمبدأ السمع والطاعة وعلى استعداد للشهادة وتفجير نفسه بإشارة من المرشد، ولم يخجل مهدى عاكف من الاعتراف بوجودها منذ عصر الإمام مؤكدًا فى مذكراته المنشورة فى صحيفة الحرية والعدالة (2013) أنها «أنشئت لإعداد نخبة منتقاة من الإخوان للقيام بمهمات خاصة».

والمهمات الخاصة ليست القتل والتفجير فقط، فقد طالب أعضاء داخل النظام الخاص بضرورة ملاحقة النساء السافرات وخرجت جبهات من داخل هذا النظام أكثر عنفًا من الجماعات الإسلامية الأصولية.

واعتقدت «سوزان حرفى» أنها عثرت على كنز مفقود يكشف أسرار التسليح وثقافة القتل والتفجير فى فكر الجماعة، ورأت أن لديها مهمة وطنية تستحق الجهد، ولمزيد من توثيق بحثها طلبت من بعض قيادات الجماعة والمنشقين عنها تزويدها بالمعلومات والأوراق، لكنها فوجئت بسؤالهم: «لماذا الآن؟»، كانوا يقصدون ما تتعرض له قيادات الجماعة من سجون وملاحقات قضائية فى عهد مبارك والتى لم تكن سوى مجموعة صفقات رخيصة بين الطرفين ظلت سنوات قبل اندلاع ثورة يناير، فكتموا شهادتهم ومن يكتمها فهو آثم قلبه، وتأخر صدور كتابها «النظام الخاص ودولة الإخوان المسلمين» كثيرًا، لكنه خرج أخيرًا للنور عن دار ميريت للنشر وبمقدمة لكمال الهلباوى.