رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضحايا القانون المعيب


إسلام بحيرى، فاطمة ناعوت، أحمد ناجى، ومحمد عبدالله نصر.. ٤ هم ضحايا القانون المعيب «ازدراء الأديان»

حتى الآن والقوس مازال مفتوحًا!
عندما أتذكر أن الأول قد سجن «لأنه غلط فى البخارى» وكتابه البحثى التجميعى الذى حوى أحاديث عن إرضاع الكبير ومفاخدة الصغيرة ووطء الفتاة فى عمر التاسعة..

وهربت ناعوت مخلفة وراءها وطنًا حبيسًا وولدًا مريضًا، وناجى الذى زايد عليه المزايدون لأسباب عديدة لا علاقة لها بالإبداع بل بالأخلاق المفترى عليها، ثم زج بالشيخ محمد عبدالله نصر للحبس تمهيدًا لمحاكمته ... عندما أتذكر هذا أكاد أجن، خرج إسلام وفق عفو متأخر من رئيس البلاد والعباد، وأن تأتى الأشياء متأخرة أفضل من ألا تأتى على الإطلاق.

وزايد عليه أيضًا المزايدون «مناضلين» آخر الزمان من وراء الكيبورد، وهم على الآرائك والأسرة متكئون متنطعون، لا يعرفون معنى أو طعم دقيقة يقضيها المرء فى محبس غير اختيارى ودون تهمة.

كلما أكلت أو شربت أو استنشقت نسيمًا عليلًا، إن وجد.

سافرت أو شاهدت فيلمًا أو زرت مكانًا أو هدأت نفسى على سريرى أو استمتعت بحمامى الخاص.

كل تلك التفاصيل اليومية الروتينية التى لا نستشعر أهميتها أو ثمنها افتقدها إسلام وناجى ويفتقدها محمد عبدالله نصر الآن.

تلك الأفكار والمشاعر تشعرنى بالخجل الذى يليه دومًا شعور بالغصة ومرارة على اللسان، وحسرة فى النفس على ما آل إليه مآلنا عندما تنحينا جانبًا واستمرأنا عدم الصراع، وتخاذلنا وابتعدنا عن ساحة المعركة الحقيقية وتركنا الأربعة وحدهم يواجهون قسوة وغلواء التطرف والغبن، متلقين وحدهم الطعنات وهم من دافعوا عنا وعن بقائنا على هذه الأرض، نسير عليها بشىء من الكرامة أو ما تبقى منها لحفظ ماء وجوهنا.

لقد قتل فرج فودة وناهض حتر، وسُّمَّ - فى ظنى - نصر حامد أبوزيد، وشتمت السعداوى وخالد منتصر وربما يلحق بهم يومًا سعد الدين الهلالى وآمنة نصير.. كل هذا من أجلنا نحن.

من أجل أن نحيا كرامًا ونحن لا ندرك ولا نثمن الكلفة الباهظة التى دفعها هؤلاء.

مجانية عدم النضال كلفتها أعزائى ستكون أضعاف ما دفعه هؤلاء جميعًا.

إنها مجانية باهظة التكاليف يا حضرات.

ستدركون ذلك يومًا ما.

ولربما بات ذلك اليوم قريبًا.

النزول لحلبة الصراع هو الأجدى والأحق.. لأنه سيخلصنا من دفع ديون متراكمة كلفتها إن جاء وقت استحقاقها لن نقدر على سدادها.

لا رهان على نخب بعد اليوم.. نخب فسدت أو تقاعست.

مشاهير ونجوم العوالم الافتراضية هم عبيد اللايك والشير، وتغضبهم الكومنتات المنتقدة، المديح والحمد والثناء على شىء وعلى لا شىء هو ما يتوقون إليه أكثر وبكثير مما يتوقون لتحقيق المطالب التى يتحدثون ويكتبون عنها، لأنهم يتحدثون ليتحدثوا.

تلك هى غاياتهم الحقيقية وجل أمانيهم.

أما الأفكار والشعارات الطنانة، فستظل مجرد شعارات وأفكار، تكتبها أصابعهم على التايم لاين ولا تحققها أياديهم.

قوم يقولون ما لا يفعلون.

ويتبعهم الغاوون.

وهم ليسوا بمبدعين وليسوا سحرة، لكنهم حتما كاذبون أفاقون ومبتسرون.

يعيشون فى غرف مغلقة نصف معتمة، محاطة بحوائط مصمتة خرسانية يمرحون فيها ليلًا، ويفيقون ظهرًا على فضيحة هنا أو جرسة هناك، تلوكها الألسن فتصبح حديث التايم لاين لساعات، ثم تحتل فضيحة وحكاية أخرى تأتى بعدها ساحات التايم لاين وهكذا دواليك.. يستمر الهرى والاستهلاك من هؤلاء المستهلكين غير المنتجين أو النافعين أحدًا حتى أنفسهم.

فهؤلاء يستمتعون بغزواتهم الافتراضية أكثر من مواجهة واقعهم الأكيد.

أما إسلام البحيرى.. فقد جرَّ وحده عربة المخلفات «مخلفات الواقع لا الحروب الافتراضية».

ولم يعاونه أحد سوى بالشجب والإدانة والاستنكار.

وفرت ناعوت وأُرهبت وروعت، وسجن ناجى ونصر يوشك على الوصول للمصير نفسه وهم يتابعون كل ذلك عن بُعد، وكأنهم يشاهدون فيلمًا خياليًا عبر الشاشات.

ما حدث لهؤلاء يا سادة حدث فى أرض الواقع الأكيد لا العالم الافتراضى، الذى تسجن أنت نفسك فيه وتعتقد أنك تغرد حرًا طليقًا فى الفضاءات.

كل واشرب ونم، وحضر الرغى الافتراضى فى الساحات الافتراضية، كالمراهق الذى يقضى ساعات طوال فى لعبة البلاى ستيشن.

وحتى ذاك المراهق.. قد يمل ما يفعله ويخرج للحياة ويعيش.

أما أنت يا عزيزى، فلا تمل من ألعابك وألاعيبك وإن ملتك هى!!

فقد أصبح كل ما هو افتراضى بالنسبة إليك نسق حياة كاملا متكاملا، تفيق وتنام عليه وتظن أنك تعمل عملًا جليلًا عظيمًا وأنك تحرك الأكوان والرأى العام فى حين أنك وفى حقيقة الأمر تحفر فى المياه ولا تترك لك أثرًا إلا وإن اعتبرت اللايك والشير والنكز تراثًا وميراثًا تتركه لأبنائك وأحفادك ليكون مثار فخر فى يوم ما.

لقد كتبت أسماء من ناضلوا على الأرض فى كتب الواقع والتاريخ.

أما اسمك سواء أكان حقيقيًا أو مستعارًا وكذلك صورتك فستظل فى عالم الافتراض فقط.

التاريخ لا يكتب فى الفضاء يا عزيزى، بل يكتب على الأرض.

حتى من غزا الفضاء - فعلًا لا مجازًا - سجلت إنجازاتهم فى كتب على الأرض لا على سطح القمر.

المجد لمن يعمل على الأرض لا لمن يغزو الفضاء متكئًا على أريكته.

المجد لمن واجه وزاحم ولاحم وضرب الإرهاب ومحاولات الترهيب فى مقتل.

المجد لمن حُبس من أجلك أنت ولم تحرك أنت ساكنًا.

المجد لمن تكبد العناءات وأنت فقط تشاهد وتتفرج ولا تحرك قدميك خوفًا على قميصك وكسرة بنطالك الذى تحرص كل الحرص ألا يمسهما سوء مسك أنت ولا تدرى لأنك فرح بغزو الأقمار لا السير على الأراضى.

المجد لمن يعمل لا لمن يتخاذل ويتكاسل.

المجد لمن يفاوض لا لمن يناور.

المجد لمن يحاول لا لمن جزع وهلع واستكان واستراح.

المجد لمن يكمل الطريق لا لمن يعود أدراجه فى المنتصف ولا يقطع الأرض التى دعا الآخرين لقطعها ودفعهم لذلك ثم اختفى وتركهم فى منتصف الطريق.

المجد لمن يحقق المطالب لا لمن يمنى غيره ثم يخذله.

هؤلاء حتمًا قطاع طرق بدرجة بهوات مزيفين.. مجرد بهلوانات على أفندية على جهابذة عيرة، حققوا نجومية زائفة ويرون ضرورات فى بقائهم مختفين خلف الستار، لحفظ مكانتهم من أن تلوثها الحركة ونسوا أو تناسوا أن المناضلين على مر الأزمان كانت أقدامهم تسبق أقدام تابعيهم.

تصدروا المشهد ولحق بهم الرفاق فرحين راضين لإدراكهم ويقينهم أن مسيرتهم لن تذهب هباءً، وأن الأثمان التى سيدفعونها قد دفعها بالفعل قائدهم وسبقهم إليها.

تلك هى القيادة.. تمارس بالقرب لا بالاستشعار عن بُعد.

فى الدول المتقدمة الذى يخطط يهجم.

أما فى عوالمنا الافتراضية فالذى يخطط لا يمارس الهجوم إلا على منتقديه فى الكومنتات.

عاشت عقول المناضلين حرة مستقلة وعاشت ضمائرهم بلا وخز يؤنبها.

بعيدًا عن خرافات الافتراض وعوالمه الكاذبة.

عاش نضال بحيرى وناعوت وناجى ونصر ومن سبقوهم،.