رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عقد ثقافى جديد بدون جمهور


حين يتعرض الوطن للخطر يصبح الحديث عن أى قضية أخرى عبث لامعنى له ،

لذلك استغربت كثيرا كلام بعض الأصدقاء فى مؤتمرأدباء مصر الذى اختتم أعماله بعد ظهرالأحد الماضى فى شرم الشيخ عن قضايا فرعية لاتتعلق بحرية الوطن ومستقبله وتقدمه وحرية الفكروالرأى والإبداع .

نعم انعقاد المؤتمرفى هذا التوقيت مهم جدا بشرط الانخراط فى هموم الوطن الكلية والتعبيرعن هموم المواطن البسيط ومحاولة استشراف المستقبل بعين لايملكها السياسى .

لذلك تصورت أن يكون الحوار مع د. صابرعرب وزيرالثقافة واللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء والشاعرسعد عبد الرحمن رئيس قصورالثقافة حول هذه القضايا ، لأن الأمر ببساطة يتعلق بمصير وطن فى مرحلة خطر ، يحتاج منا جميعا التكاتف وإضاءة لمبات التحذير وطرح الحلول للخروج من المأزق ومحاولة الإجابة بشكل محدد وقانونى عل بعض الأسئلة الخاصة بالحركة السياسية والثقافية والفكرية :-

• مثلا هل سيؤثرشكل الدولة بعد الدستورالجديد وبنوده على حرية الفكر والرأى والإبداع ، خاصة مع وجود بعض الجمل المطاطية مثل بما لايخالف أخلاق المجتمع وعاداته ...!!

فعلى سبيل المثال هل سيكون الإبداع متوافقا مع أخلاق المجتمع القبلى فى الصعيد أو البدوى أم مع تقاليد المجتمع فى القاهرة والإسكندرية بتباين الأحياء فيها أم مع وجه بحرى أم مع واحات الداخلة والخارجة وسيوة أم مع النوبة والمناطق الساحلية .. الخ من مجتمعات وبيئات متعددة ومتنوعة تميزمصرعن باقى بلاد العالم .

• وما المخاطر المتوقعة بعد وصول التيارالدينى للحكم على حدود الإبداع ومحاولة صبغ مصر بصبغة دينية متشددة ؟

ولذلك اقترحت على الصديق الشاعر محمد أبو المجد وكيل وزارة الثقافة للشئون الثقافية أن نبدأ بمطالبة الأدباء فى أقاليم مصرالمختلفة أن يشاركوا فى صياغة مواد دستورية جديدة يرونها مناسبة عن المواد الموجودة فى الدستور الجديد ليتم عرضها وإرسالها إلى رئاسة الجمهورية ومجلس النواب الجديد ليتم إقرارها ضمن المواد المقترحة لتعديل الدستور .

انطلاقا من المقولة الشهيرة مالايدرك كله يترك كله ، فإذا كنا نريد بعض المواد فى الدستورلم تتم صياغتها كما نريد فى الدستور، فعلينا تدارك ذلك بالاستفادة من الفرصة المتاحة الآن بالتعديلات المقترحة .

ثانيا علينا التقدم بمشروعات قوانين ليتم إقرارها فى مجلس الشورى أو مجلس النواب القادم إذا لم يتم تعديل الدستور أو لم يؤخذ بما نريد حتى لا نفاجىء بقوانين جديدة مكممة للأفواه أو منتقصة لحقوقنا فى الفكر والإبداع .

واقترحت على قصورالثقافة بوصفها الهيئة الثقافية الوحيدة فى المحافظات التى لها علاقة مباشرة بالمبدعين من مختلف التيارات أن تبدأ بجمع المقترحات بهذه المواد الدستورية أو مشروعات القوانين الثقافية ثم إرسالها بعد بلورتها إلى المجلس الأعلى للثقافة الذى يبلورهذه المقترحات بشكلها النهائى إلى رئاسة الجمهورية ومجلس النواب بعد تلقّى مشروعات مماثلة من إتحاد الكتاب .

المهم يكون الأدباء والمثقفون موجودون بشكل كامل وعملى فى الصورة التشريعية والمجتمعية والسياسية .

لكن المسألة الخطيرة التى بدأت ملامحها فى الظهور بالمؤتمرهى عدم قدرة البعض منا على استيعاب الاختلاف ، وظهر ذلك فى أكثر من موضع ، ففى الجلسة الافتتاحية مثلا إعترض البعض على استخدام الأديب الكبير صنع الله إبراهيم على استخدامه لفظ أو مصطلح الفاشية الدينية رغم عدم الاعتراض على الفاشية العسكرية ورغم توضيحه أنه يقصد من يتدثر برداء الدين ولايقصد الدين نفسه لأن الإسلام يحتوى على مبادىء حرية التفكير بشكل غيرموجود فى سائرالأديان السماوية .

المهم أن النقاش أيضا لم يتطرق إلى سبل دعم وزارة الثقافة بمؤساستها المختلفة فى المرحلة القادمة ضد محاولات الهيمنة عليها أو تحويل مسارها الإبداعى ، وحتى لايجد المسؤلون أنفسهم بمفردهم فى الميدان!!

الأخطر من ذلك أن الحاضرين وهم يناقشون العقد الثقافى الجديد لم يحضرالطرف الثالث الأهم فى هذا التعاقد وأقصد به الجمهور.

فأنا أتصور أن للعقد 3 أطراف هم الجمهوروالمثقفون والسلطة.

فإذا كان المثقفون أو جزء منهم قد حضر ، والسلطة قد حضرمنها بعض ممثليها مثل( وزيرالثقافة ورئيس قصور الثقافة ومحافظ جنوب سيناء )، وإن كانوا ينتمون إلى الأرضية الثقافية المدنية التى ينتمى إليها المثقفون ،فقد غاب عنها من يمثل التيارالدينى السياسى الذى يديرالبلاد الآن .

والجمهور بالطبع وهوالشريك الرئيسى والمهم قد غاب ولم يحضرالنقاش ، والأخطر من ذلك أن هذا الجمهورالآن مغيب لأسباب متعددة منها : -

أولا : أن الندوات والنقاشات تمت بين الأدباء أنفسهم فى مقر إقامتهم فى أحد فنادق شرم الشيخ ولم نذهب إلى تجمعات جماهيرية لاعتبارات كثيرة قد نتفق معها أو لا نتفق ، المهم أننا لم نذهب إليه ولم يحضرإلينا وكأننا نغنى ونسمع أنفسنا .

ثانيا : أن غياب الجمهورهنا لا دخل لنا فيه لأنه جمهورمحدود فى هذه البقعة الغالية من أرض مصر ونحن نعرف ذلك وذهبنا لأسباب سياسية ومادية .

ثالثا: حتى لو ذهبنا إلى أكبر مكان به كثافة سكانية مثل القاهرة والجيزة ، وقد حدث ذلك فى العام الماضى ، لن يحضرالجمهورالمستهدف لأسباب كثيرة منها العوزالاقتصادى الذى وصل إلى حد الخطر ، فهل هناك مبررلجائع أو عاطل أو يائس أو محبط لحضورنقاش فنى أو لقاء شعرى أو أدبى ؟

ويأتى السبب السياسى ليلعب دورا أخطر فالكل مشغول بمستقبل الوطن كله خلال الساعات القادمة وربنا يعديها على خير.

لكن الأخطرمن ذلك أن هناك دعوات تتنامى فى الشارع بتحريم الفنون والإبداع وقد تصل إلى تكفيرالمبدعين وتصل إلى الذروة عند البعض بأن الثقافة رجس من عمل الشيطان ، لذلك يكون الطريق أكثر وعورة وصعوبة للمبدعين والإبداع فى ظل مناخ معادى له ويتنامى يوما بعد يوم .

المهم غاب الجمهورولم يحضر الجزء الفاعل فى السلطة وحضرالبعض منا ، لذلك اعتبرها مجرد نقطة بداية نبنى فوقها وننطلق منها .

اخيرا أهمس فى أذن الأصدقاء مؤتمركم أصبح فى مهب الريح بعد صدور توجهيات وقرارات من مجلس الوزراء بعدم استضافة أى محافظة لأى مؤتمرخلال الفترة القادمة إلا بعد موافقة رئيس الوزراء لأسباب اقتصادية ، والعدد الضخم الذى وصل إلى نحو 300 أديب وناقد وإعلامى بما يعنى تكلفة مادية باهظة فى هذا الظرف الاقتصادى قد يكون مبررا ظاهريا للإلغاء ، وعلينا ألا نشنق أنفسنا بأيدينا أو نعطى للمتربصين سببا ولو ظاهريا لقتلنا !!!

هامش

يارب عدّى بكره والأيام القادمة على خيرمن أجل مصر وأهلها الطيبين

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.