«العين ترى»: (2) الحذاء

للأحذية قصص وحكايات سياسية ونسائية أيضاً ، وسيظل هذا الحذاء هو الأغلى ليس لأن سعر اللوحة بلغ ( 4 ملايين جنيه استرلينى تقريباً ) ، لكن لأن "زوج من الأحذية" التى رسمها فان جوخ هى الأكثر إثارة للتأمل والجدل ، وكان الكاتب العظيم إبراهيم أصلان رحمه الله أول من لفت نظرى إليها وهو يتحدث عن فلسفة الغياب والحضور ، فأنت تستطيع أن تتخيل شكل الفلاح الذى ترك هذا الحذاء ، تستطيع رؤية الشقاء والألم والعذاب بين الشقوق والفتحات ، وقرأتُ فيما بعد ما كتبه هايدجر عنها باعتبارها اللوحة الأم فى التعبير عن جماليات الفن وفلسفته رغم بؤسها الشديد الذى يعكس شقاء صاحبها، فقد عاش " جوخ " مأساة بدأت بالفقر والجوع وقطع الأذن وانتهت بالانتحارمبكراً، لكن هذا ما يصنعه الفن بحذاء متهالك ، فمن الفتحة المظلمة للأجزاء الداخلية المهترئة ـ كما يقول مارتن هيدجر ـ تطل خطوات الفلاح المُنهكة، وعبر ثقل الحذاء وتيبس جلده، يطالعنا العناد والتشبث.
ولم يكن لكاتب آخر سوى إبراهيم أصلان أن يلتفت إلى عظمة هذه اللوحة وفلسفتها ، فهو كاتب التفاصيل المدهشة التى صنعت شخصية " الشيخ حسنى " فى فيلم الكيت كات للرائع داود عبد السيد والمأخوذ عن روايته "مالك الحزين " ، وهو صاحب شخصية " بهى " فى فيلم عصافير النيل للمخرج " مجدى أحمد على " المأخوذ عن روايته التى حملت نفس الاسم ، عاش أصلان لتلك الروائع الصغيرة وعالمها الواسع الذى تراه غائراً فى لوحة " زوج الأحذية " .