رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قرى مصر تصرخ.. فهل من مجيب؟


تفتقر أكثر من 80% من القرى المصرية إلى تواجد «خدمة الصرف الصحى».. وهى مشكلة مزمنة يعانى منها ملايين المواطنين فى الدلتا والصعيد، على حد سواء، وتنعكس سلباً على نوعية الحياة وتؤدى إلى تلوث مياه النيل، حيث يتم صرف مخلفات «الصرف الصحى غير المعالج» على نهر النيل وفروعه، مما يتسبب فى أضرار بيئية جسيمة على شريان الحياة فى مصر.

وللأسف الشديد تحدث هذه المأساة دون تدخل من الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى.. بل على العكس فإن الهيئة المنوط بها توصيل خدمة الصرف الصحى – والتى أعتبرها حقاً من الحقوق الأساسية- تشارك فى عملية خداع المواطنين دون العمل على مصارحتهم بالحقيقة ولا تعمل فى الوقت ذاته على عرض أبعاد المشكلة على وزارة التعاون الدولى للسعى لتوفير منح دولية لتوصيل هذه الخدمة المهمة.

وأصبح مقر الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى فى شارع أحمد عرابى بالمهندسين معروفاً لأغلب أبناء قرى مصر الذين يحلمون بتوصيل خدمة الصرف الصحى لقراهم.. وداخل مقر الهيئة تحدث عمليات خداع المواطنين والتلاعب بـ«حلمهم»، والتى تبدأ بذهاب بعض أبناء قرية «ما» من عشرات القرى المحرومة من الصرف الصحى لمقر الهيئة المنوط بها توصيل الخدمة للقاء المسئولين بالهيئة، وحينها وعلى طريقة «فوت علينا بكره يا سيد» يطالب المسئولون بالهيئة أبناء هذه القرية بتوفير قطعة أرض لبناء محطة لرفع الصرف الصحى.. ويعود الوفد الذى زار الهيئة إلى قريته وكأنه «فتح عكا»، ولكنه فى الحقيقة عاد بـ«وهم كبير».

وتبدأ رحلة شراء قطعة الأرض من خلال جمع التبرعات من أبناء القرية، وهى عملية معقدة ويدركها القائمون على أمر «الهيئة القومية للصرف الصحى»، وقد تستغرق هذه العملية شهورًا وربما سنوات، وبعد أن يتمكن أبناء هذه القرية- أياً كان اسمها أو مكانها- من شراء قطعة الأرض يذهبون فرحاً إلى مقر الهيئة بالمهندسين.. وقد شعروا أن حلم توصيل «الصرف الصحى» اقترب، ولكنهم يستيقظون على خيارين أحلاهما مر.. الأول: إن المسئول الذى وعدهم بإدخال خدمة الصرف الصحى حال توفير قطعة أرض لإقامة محطة رفع قد أحيل للمعاش.. أو أن يتنصل المسئول من وعده ويفاجأ أهالى القرية بأن قطعة الأرض التى سددوا ثمنها من «أقواتهم» لا تصلح من الناحية البيئية والصحية لإقامة محطة رفع للصرف الصحى.. وهذه الوقائع المشينة يتعرض لها يوميا ملايين المواطنين، والتى تصدر للأسف من جهة رسمية.

ودون مبالغة فإن كل القرى المصرية، والتى لم تدخلها خدمة الصرف الصحى، والتى تصل نسبتها إلى أكثر من 80% من عدد القرى فى مصر، تصرخ لغياب هذه الخدمة.. والغريب أن صراخ ملايين المواطنين فى القرى المصرية يقابل بحالة من اللامبالاة من قبل المسئولين فى الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى والتى تتبع وزارة الإسكان.. وتذهب هذه الصرخات أدراج الرياح من دون إجابة أو توضيح منطقى.

وبالطبع جمعينا يدرك حجم الضغوط التى تعيشها مصر فى الفترة الحالية وهو أمر مقدر من الكافة.. ولكن الواقع فى مسألة «الصرف الصحى» يتطلب مكاشفة ومصارحة من الجميع بأن الاحتياجات كبيرة والموارد محدودة وحينها يمكننا أن نضع «خارطة طريق» لحل هذه الأزمة المزمنة.

ومن وجهة نظرى المتواضعة فإن توصيل خدمة الصرف الصحى لكل القرى يتطلب إنشاء «مجلس أعلى» يضم فى عضويته وزراء الإسكان والصحة والتعاون الدولى والزراعة والبيئة والمحافظين، ويكون مهمته العمل على وضع خطة عاجلة للتواصل مع المنظمات الدولية للعمل على اجتذابها لتمويل عملية توصيل هذه الخدمة من خلال «المنح» و «القروض الميسرة».

ويتبقى أن أشير إلى أن مطلب توصيل خدمة «الصرف الصحى» للقرى المصرية المحرومة ليس ترفاً.. ولكنها حاجة ملحة فى أغلب قرانا بالدلتا والصعيد.. فهل تبدأ حكومة المهندس «شريف إسماعيل» فى وضع استراتيجية شاملة لإدخال السرور على ملايين المصريين من خلال توفير خدمة «الصرف الصحى» لهم؟!.