رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة القليوبى إلى إسعاد يونس: شكرًا للأيام يا صاحبة السعادة


مات محمد كامل القليوبى وفى قلبه وجع وألم مدفون منذ سنوات، مات القليوبى وحيدًا وحزينًا وبقى الذين أشعلوا الحرب ضده فى أول الصفوف، وسيجتهدون فى محو اسمه من الوجود حتى لا يتذكر أحد ماذا فعلوا فى مصر وتراثها السينمائى، فقد كان الرجل شاهدًا على أكبر سرقة وأضخم صفقة لبيع أصول السينما، وظل يقاوم أذرع وسيقان الصفقة لكن الحرب كانت أشرس من أسلحته ومن مقاومته أيضًا.

القصة تبدأ من «صاحبة السعادة» إسعاد يونس، التى تحولت من مجرد ممثلة تمتلك روحًا كوميدية إلى سيدة مجتمع، كنّا فى نهاية التسعينيات آنذاك، والعواجيز فى مهنة الصحافة من جيلى ونازل يعرفون جانبًا من أسرار التحول، فقد تزوجت إسعاد من الملياردير الأردنى علاء الخواجة وبأمواله الكثيرة قررت دخول عالم البيزنس، ربما كانت مجرد فكرة عابرة، ولكن بعد زواج «الخواجة» من الفنانة «شيريهان» تحولت الفكرة إلى واقع وأدارت إسعاد رئاسة مجلس إدارة الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائى.

أحدثكم عن أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة، التى شهدت ظهور علاء الخواجة بشركة «فنون» القابضة وإدارة السيدة إسعاد يونس، وهى الشركة التى أقامت مصر ولم تقعدها عام 2004 عندما أقدمت على بيع «800» فيلم مصرى لرجل الأعمال السعودى الوليد بن طلال، وهاجت الدنيا وقتها وخصصت الصحف ملفات عن ضياع تراث السينما المصرية.

وقال الناقد الفنى طارق الشناوى وقتها إن صفقة البيع جعلت ثلث إنتاج السينما المصرية فى قبضة الوليد بن طلال والثلث الثانى فى قبضة الشيخ صالح كامل، واعتبرها الروائى الراحل جمال الغيطانى صفقة لتدمير التراث المصرى، وأفاض الراحل فى توضيح معنى المقتنيات الفنية والسينمائية وكيف تحافظ الدول على تراثها، وأمتلأت الصحف بقصص وحكايات عن المال الخليجى الذى يلتهم السينما المصرية، وجفت الأقلام وساد صمت، بينما لم يتوقف صوت الدكتور محمد كامل القليوبى الذى كان وسط كل هذه الحرائق يقاوم صفقة البيع أربع سنوات متتالية هى فترة إدارته للمركز القومى للسينما، وشوية شوية هدأت المعركة ووجدت شركة «فنون» من يدافع عنها وعن حقها فى بيع تراث السينما المصرية واستمالت أقلامًا واستأجرت سينمائيين صغار وكبارًا، وتمت الصفقة وخمدت النار، وهدأت الحملات الصحفية بالهدايا والدعوات والسلامات والسفريات وباع من باع واشترى من اشترى.

ودارت الأيام وجاءت ثورة وبعدها «ثورة» ثانية، وعادت السيدة إسعاد يونس لتملأ الشاشات وتكتب المقالات فى الصحف !، ونجح فريق عمل من الموهوبين الشباب «الذين ربما لا يهتمون قليلًا ولا كثيرًا بحواديت الاحتكار وتراث مصر الفنى وربما لا يعرفون أن «زغلول» بطلة المسلسل الشهير مع بكيزة هى نفسها صاحبة الشركة العربية للإنتاج وصفقة بيع الأفلام المصرية»، وضخ فريق الإعداد دماء جديدة فى شرايين إسعاد يونس لتصبح أكثر بياضًا وتحظى بوجاهة وتثير إعجاب العائلات فى البيوت وتغازل الوجدان والشجن بعصير القصب والسوبيا والبلح!.

وستمضى القافلة وتحصد «إسعاد» ألقابًا جديدة إضافة إلى صاحبة السعادة، ولن تغير تلك المعلومات «القديمة» شيئًا، فهناك بيوت وشاشات مفتوحة وإيد ده فى جيب ده واللى فات مات يا راجل والمكنة دايرة والسعادة بتتفرق علينا والرحمة والنور على روح أستاذ الأجيال محمد كامل القليوبى الذى عاش قابضًا على الجمر ومات محزونًا وفى قلبه ألم وحسرة.