رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا طالبنا باستقالة شيخ الأزهر؟


أثارت مطالبتنا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بتقديم استقالته استياء البعض وإعجاب البعض، ورغم تقديرى لرد فعل الجانبين، فإننا لم نسع وراء حصد الإعجاب ولا الاستياء، نتفهم دوافع الطرفين، لكن هذه ليست قضيتنا، فالقضية أكبر من هذا وأخطر، فى تقديرنا على الأقل.



لقد أثبتت التجربة السياسية منذ ٢٠١١، أن الدكتور الطيب ليس الرجل المناسب فى المشيخة، حاول هو أن يبتعد بالمؤسسة الكبيرة عن حالة الخلاف والاستقطاب السياسى، وأعلى من شأن استقلاليته، وقد يكون هذا أمرًا يحمد له، لكن فى ظروف غير التى نعيشها، وتحتاج إلى تكاتف الجميع، وتضافر جهودهم لمواجهة خصم شرس، يرتكن إلى الدين فى تبرير هجومه وحربه من أجل إفنائنا.

أصدق الدكتور الطيب فى حسن نواياه بأن يبتعد بالمؤسسة الأزهرية عن العمل السياسى، لكن هل فعل هو ذلك فعلًا؟

لقد أقحم نفسه فى العمل السياسى، ودخل فى صراعات، وانحاز لقناعات لم تكن فى المصلحة العليا للبلاد، وأضفى حمايته على من يعرف جيدًا أنهم يدعمون جماعة الإخوان ويرتعون فى مكتبه، دافع عنهم بكل قوته وطاقته، وبدلًا من أن يستجيب لدعوة تجديد الخطاب الدينى، واصل عمله فى وضع القيود أمام هذه الدعوة، وإذا ادعى هو أو بعض من رجاله أنهم يجددون الخطاب بالفعل، سنصدقه للمرة الثانية، لكننا نقول له إن تجديد الخطاب الدينى من منظوره ورؤيته البعيدة عن السياق العام فى مصر الآن لا قيمة له.

أمثال شيخ الأزهر ومن هم فى علمه وصوفيته وزهده لا يتمسكون بالمناصب، يعرفون أنها زائلة، وهو ما يجعله لا يتردد فى أن يترك مكانه، لأنه بالفعل يقف فى المكان الخطأ، ولو كان منصفًا لأخذ قراره واختار، فالاختيار يأتى للإنسان مرة واحدة، ويخسر كثيرًا لو عجز عن الاختيار أو انحاز إلى الجبهة الخطأ، فإما أن يقف فى صف الوطن، أو يركن إلى بيته بعيدًا عن الجميع، وأعتقد أنه لن ينحاز إلى ضفة خصوم الوطن، أنزهه عن ذلك بشكل كامل، كما أنه لو ذهب إليهم فلن يقبلوه، لسبب بسيط أنه وقف فى المنطقة الرمادية، ومن يمسكون العصا من المنتصف لا يعجبون أحدًا.

من السهل على شيخ الأزهر وهو قيمة وقامة كبيرة أن يترك مكانه لمن يصلح للمنصب فى الظروف التى نعيشها الآن، سيذكر التاريخ له أنه احترم مكانته وفقهه وعلمه ودينه ووطنه، وقرر فى لحظة خطيرة أن يتنحى ليفسح المجال أمام من يعطى أكثر، ومن يكون أقدر على مواجهة الفكر المتطرف، ولو فعلها فسوف نحمد له ذلك ونثنى عليه، فلن تنتقص الاستقالة لا من قدره ولا من قيمته.

إننى أطالب شيخ الأزهر بأن يتقدم باستقالته، من باب المحبة وليس من باب البغض، من باب الحرص عليه، لا من باب الانتقاص من قدره، ولأننى أعرف أن المناصب لا تغريه، فإننى ألح عليه أن يستجيب لما نطلبه منه، ولا يعطى أذنه للحاشية التى تحيط به، وتريد بقاءه فى منصبه من أجل مصالحها هى وليس مصلحته هو.

افعلها يا شيخ الأزهر وأنت فى سعة من قرارك وحريتك، بدلًا من أن تفعلها بعد أن تضيق عليك الأرض بما رحبت.