رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

موسم الهجوم على ثورة يناير


مع اقتراب الذكرى السادسة ليوم 25 يناير الخالد، ومثل كل عام، تتصاعد وتيرة الهجوم على الثورة، ويتبارى خصومها باتهامها بكل نقيصة، وإلصاق كل ما تلاها من كوارث ومشكلات، وأعقبها من جرائم وأحداث، بها، وبالمشاركين فى وقائعها، ويُبالغ أعداؤها فى السعى من أجل تلويث اسمها، وتشويه سمعتها، والتشويش على ماجسّدته من أفكار صحيحة، وما سعت لتنفيذه من أهداف نبيلة، وما مثّلته من قيِّمِ سامية، وما طرحته، وسعت إلى تحقيقه، من غايات رفيعة!.

والحقيقة أنه ليس فى هذا الأمر جديد، لا بالنسبة للثورات، بشكلٍ عام، ولا بالنسبة لوقائع 25 يناير المصرية، بشكلٍ خاص!.

فالتاريخ، كما هو معروف، يكتبه المنتصرون، والثورة لم تنتصر حتى الآن حتى تكتب تاريخها، بل تآمر عليها أعداؤها الأساسيون: وأولهم جماعة «الإخوان» الإرهابية، التى قفزت على أكتافها، بمساعدة أطراف فاعلة فى السلطة آنذاك، من أجل لجم اندفاع أحداثها، وتفريغها من مضامينها الإنسانية الرفيعة، وتحويلها إلى أداة لـ«تمكين»، ولإطلاق وحوش التطرف والعنصرية والدم والخراب!.

ثم لما اجتمعت إرادة الأمة، على تحرير الوطن من هذه القوى الهمجية، قفزت إلى أعنِّة السلطة، وبفعل فاعل، مرة أخرى، ذات الوجوه الكئيبة التى ثار عليها الشعب فى 25 يناير 2011، من ممثلى أحط ما عايشته مصر من عهود، مليئة بالفساد والاستبداد، والجمود والفشل، وتجريف المجتمع من كل عناصر التقدم والحيوية فيه، لكى يشنوا هجوماً سافلاً على الثورة، ينم عن حقدٍ لا حدود له، فهم عادوا لكى ينتقموا من لحظة من أمجد لحظات الإنسانية قاطبة، حين وقفت منبهرة بعبقرية شعب مصر، وهى تشهد مأخوذة، عشرات الملايين من بنيه ينتفضون دفاعًا عن حلمهم النبيل فى العدل والحرية، والمواطنة والمساواة، والكرامة الإنسانية!.

والحق أن كل ما عانته البلاد فى أعقاب يناير 2011، لم يكن من صنعها، أو صُنع من شارك فى أحداثها، وإنما من فِعل النظام القديم العائد، الذى ثارت عليه الملايين، وسعت إلى التحرر من ظلمه وظلماته: فقيم الفردية، والجشع، والبلطجة والأنانية، والسرقة والرشوة، والاستبداد، واحتقار الجهد والعمل، وسيادة الجهل والأميّة، وانهيار منظومة التعليم والثقافة، وإعلام الردح والتشهير، وتكدس الفقر والعشوائيات، ونهب وتهريب المليارات، وسيادة مظاهر التديُّن المظهرى، وإطلاق يد التطرف وجماعات العنف والتكفير والوهابية الظلامية، وتدهور الخدمات، وترهل جهاز الدولة، وتراجع المكانة فى المحيط العربى والإفريقى، وفى العالم كله، وغير ذلك مما نعانيه الآن من مظاهر كارثية، لم يكن بسبب الثورة، وإنما كان سبب الثورة، ولم يترتب على وقائعها، وإنما هبّت جماهير الشعب، لوضع حد له !.

وهل ما يحدث إذن طبيعى ومفهوم؟!: نعم. وكل الثورات التى حدثت فى العالم، إلا فيما ندر، لم تنتصر وتستقر مبادئها، وتحكم قواعدها وقوانينها، إلا بعد عقود طويلة من الصراع والزلازل!.

بل ولماذا نذهب بعيداً؟!، ألا نتذكر ماحدث مع «الثورة العُرابية»، ورمزها الزعيم «أحمد عرابى» ورفاقه، ألم يُحبسوا، ويُهانوا، ويتم نفيهم وتحريم الاتصال بهم، وحين عاد: ألم يُقابله السفهاء من رموز النظام، وعملاء الاستعمار البريطانى، باللعن والتقبيح والإهانة؟!.

فأين ذهبوا؟!: إلى مزبلة التاريخ، واحتل «عرابى»، الوطنى المصرى المخلص، وزملاؤه من الضباط الوطنيين، والشخصيات الشعبية النبيلة، مثل «عبدالله النديم»، مكانتهم المرموقة فى صفحات تاريخ مصر الناصع!.

كل الثورات تواجه توحش الطبقات الحاكمة، التى تملك الثروات والنفوذ، وتستطيع شراء الذمم والضمائر، وتسعى بكل السبل لاستعادة مجدها القديم، لكن المهم ألا تفقد الثورة البوصلة، وألا يفقد الثوار الحلم... فالمستقبل لهما، والنصر حليفهما!.