رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلمى النمنم ومحمود الضبع في زمن الحرام!


إن كانوا يقصدون بالخراب الحاجل الناجل لطم الخدود وشق الجيوب والحسرة فأنا فى حاجل ناجل، وإن كانوا يقصدون الصدمة والشعور بالخازوق العريض فأنا فى تلك الحالة الآن وأنا استعرض أوراقًا ومستندات قدمها لى الزميل «جمال عاشور» المحرر الثقافى بـ«الدستور» وحصل عليها من بعض موظفى دار الكتب والوثائق القومية، وكان قد أخبرنى قبلها بحالة الغضب التى تنتاب الموظفين مع تأخر صرف رواتبهم ومكافآتهم فى تلك الأيام الغبرة، لذلك لم أهتم بأمر المستندات التى زعموا أنها بحوزتهم ضد رئيس دار الكتب، ليس فقط لأننا تعلمنا أن ثورات الغضب لا تكون دائمًا لوجه الله، وأن كثيرًا من أصحاب المصالح والأهواء يركبونها، وليس لأن التحقق من الوثائق والمستندات وفرز ما هو مدسوس ومزيف أصبح مجازفة فى عصر التضليل والتشويه المتعمد، ليس لكل ذلك، ولكن لأن «محمود الضبع» رئيس دار الكتب الحالى، واحد من أصدقائى القدامى الذين أعرفهم جيدًا وأثق فى ذمتهم المالية ثقة عمياء، وأن أى مستند ضده لن يتجاوز حدود مخالفة إدارية فى ندب موظف أو الاستعانة بآخر، وأن مخالفات من هذا النوع يسهل علاجها وتصحيحها إن حدثت، وهذا بالفعل ما وجدته فى الأوراق، وهو كثير وليس قليلاً ويحتاج مساءلة قانونية عن السر أو السبب أو الحجة أو المبرر فى الاستعانة بموظفين فوق كوم الموظفين الموجودين، كما أن المكافآت التى تم تخصيصها لبعض الموظفات كما ورد بالأوراق تحتاج أيضًا توضيحًا وافيًا غير منقوص، وكل ذلك سهل كما قلت، لكن أن يكون من بين المخالفات ما يسىء إلى سمعته المالية ويتهمه بالحصول على مكافأة مالية وضعها لنفسه بقيمة 8000 جنيه، فهذا ما أعتبره الخراب الحاجل الناجل بكل تداعياته، فقد عرفتُ محمود الضبع فى الجامعة وظلت علاقتنا ممتدة سنوات بين المقاهى، ولم يقطعها سوى طبيعتى الشخصية التى تجعلنى حذرًا دائمًا تجاه أصدقائى الذين يتبوأون المناصب الرسمية، وأحرص على وضع شعرة طويلة وخشنة بينى وبينهم تجعلنى قادرًا على مواجهتهم وعتابهم وتوبيخهم إن تطلب الأمر ذلك، وكما هو الحال الآن وأنا أطلب من محمود الضبع أن يصدر بيانًا فورًا يفند فيه كل التهم الموجهة إليه فى أوراق وزعها الموظفون بدار الكتب على الصحفيين، لقد عشنا عمرًا كاملًا نحارب منظومة الفساد فى وزارة الثقافة وإهدار الملايين، ولن نسمح لأصدقائنا بإهدار مليم واحد أو بارتكاب مخالفة واحدة، ولا يليق بجيل ينتمى إلى ثورتين عظيمتين أن يسقط فى مستنقع الفساد والخراب الحاجل الناجل.

أنا شخصيًا لم أرحم وزير الثقافة حلمى النمنم وكتبت ضده عشرات المرات منتقدًا فشله وخيبته وقلة حيلته فى إدارة ملف الثقافة المصرية، لكن يشهد الله أنه لم يتورط فى فساد ولم يسقط فى جريمة سرقة مال عام، ويشهد الله أنه لم يصلنى مستند يلطخ ذمته المالية، وهذا عهدى به كصديق قديم هو الآخر ولابد أن يحتمل انتقادنا وصدمتنا أحيانًا فى قراراته وآرائه، واليوم وأمامنا واقعة حسب المستندات تكشف فسادًا وتحايلًا على القوانين واستحلالًا للمال العام نطالبه بأن يحقق هو فورًا فى كل ذلك وأن يتابع ما يجرى فى قطاعات وزارته ويخرج ولو قليلًا من مكتبه ويؤجل كتابة المقالات للصحف، فهناك وزارة تحمل رسالة كبيرة ولا يليق أن يتركها على عروشها خاصةً وسط شائعات التغيير التى تملأ مصر.

عمومًا، فإن كل ما سيقال فى هذه الواقعة ليس هو الحل النهائى فى أزمة دار الكتب والوثائق وغيرها من مؤسسات وزارة الثقافة، فنحن نسمع عن القطاع الثقافى ونعرف اسم المسئول عنه فى الكوارث والفضائح فقط!، وهذا يؤكد أن العمل الثقافى فى مصر عاجز تمامًا عن الوصول للناس، وأن هناك تداخلات وتشابكات بين القطاعات الثقافية وأدوارها ومهامها وماذا يجب عليها تقديمه للناس! وكنتُ أراهن رهانًا كبيرًا على «محمود الضبع» فى تطوير دار الكتب والنهوض بها لما أعرفه عنه من طموح ورغبة حقيقية فى الإصلاح، ولا أقول إننى خسرت الرهان، فمازال «محمود الضبع» وجهًا جديدًا على قطاعات ومؤسسات ثقافية نخر السوس عظامها ولم تعد تقبل بوجود غريب يفتش أو يدقق أو يحاسب المقصرين، وليس مستبعدًا أن تكون هناك دسائس ومؤامرات يجب كشفها لتتضح الصورة، أتمنى أن يكون محمود الضبع عند حسن ظنى به، وأن يكشف الحقائق وأن يثبت للجميع أن هذا الجيل قادر على القيادة والخروج بيد نظيفة مهما كانت الصعوبات والتحديات.