رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الختم مع مدام عفاف


هل هى مجرد صدفة أن تدريس علوم السياسة مرتبط بالاقتصاد، فى صيغة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية؟!.. أم أن بكل تأكيد، السياسة والاقتصاد مرتبطان ارتباطًا وثيقًا لا يمكن فك عروته أبدًا؟، والحقيقة أنه لا يمكن أن تحل أية مشكلة «اقتصادية» إلا برؤية «سياسية» واضحة، لهذا إذا أردت تشجيع الاستثمار، لما تراه فى ذلك من تحريك للاقتصاد وزيادة للقوى الشرائية، وتوفير لفرص العمل، فإن ذلك كله لا يمكن أن يتم إلا فى مناخ سياسى منفتح، تتداول فيه السلطة «تنفيذية وتشريعية» بقواعد سلمية محددة، وضمانات واضحة لتكافؤ الفرص، ومنع الاحتكار سواء فى السياسة أو الاقتصاد، ومكافحة واضحة للفساد، والبيروقراطية، مع حتمية حرية تداول المعلومات والشفافية فى كل قرار سياسى أو اقتصادى لأن بكل تأكيد كل قرار سياسى يؤثر سلبًا أو إيجابًا فى حركة الاقتصاد.



لا أريد أن أتطرق إلى تفاصيل اقتصادية، فالخبراء الاقتصاديون أدرى منى بذلك، لكن ما يلفت النظر فى العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، هو بعض الأسئلة التى بإجابتها قد نرى صورة للطريق الذى نريده لبدء إصلاح اقتصادى حقيقى، كيف لمستثمر يريد أن يدخل السوق أن يضمن تكافؤ الفرص بينه وبين منافس يقدم نفسه على أنه قريب من السلطة مثلًا؟!، فى الظروف الطبيعية القانون وحده يمنع الاحتكار، ويحمى تكافؤ الفرص، لكن ألا توجد ممارسات احتكارية واضحة وضوح الشمس، ومحمية أحيانًا بقرارات حكومية؟!، السؤال الآخر هل يضمن أى مستثمر يريد أن يدخل السوق، أن ما يملكه من معلومات هو ذاته ما يملكه منافسوه؟!، أم أن هناك مَن يعلم أكثر؟!، وهناك البعض غير المرضى عنهم قد تغيب عنه الشفافية؟!.. سؤال آخر أكثر أهمية، حينما تصدر قرارات اقتصادية تؤدى إلى غلاء واضح فى أسعار سلع وخدمات عديدة، وهى قرارات يراها مَن أصدرها أنها حتمية لمعالجة مشاكل اقتصادية موروثة منذ زمن طويل، السؤال: هل حينما صدرت تلك القرارات جاءت فى سياق رضا شعبى متفهم لما جرى أو ما قد يجرى؟!، هل هناك إجراءات حقيقية لحماية كل الطبقات من الآثار الخطيرة لاستمرار عملية الذبذبة فى الأسعار؟!، هل هناك إحساس عام بأن تلك القرارات تنال من الطبقات الوسطى والأكثر فقرًا فقط دون الباقى؟!، هل هناك سياسيون متصلون بالجمهور لشرح ما يحدث بشكل علمى، أم ستكفى طريقة أن كل من يعارض أية قرارات رسمية خائن وخلاص؟!!.

بصراحة شديدة لا يمكن ضمان إصلاح اقتصادى دون أن يتم ذلك برضا وتوافق شعبى، وبمكافحة واضحة للفساد وتحقيق للشفافية وحرية تداول المعلومات، وكل ذلك لا يتم إلا فى مناخ سياسى ديمقراطى، لا يقف البلد فيه على إعلامى ينتقد أو صحفى يقول كلمة جريئة، ولا تكفى النوايا الصادقة فى الإصلاح، دون خطوات على الأرض للقضاء على البيروقراطية التى هى المدخل الرئيسى للفساد، فأى مصلحة حكومية تريد أن تنجز أية أوراق بها مهما كانت بسيطة، ستتنقل لأدوارها المختلفة، وتمر على مكاتبها المتعددة، وتدفع «الشاى» و«الاصطباحة» وتنتظر الموظف حتى يتم إفطاره، وحين تنتهى وتشعر بسعادة غامرة، سيصدمك أن الختم مع مدام عفاف فى الدور الثالث، وهى غائبة ولابد أن تأتى غدًا!!.