رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا فعلت فينا تيران وصنافير؟


مخطئ من يعتقد أن قضية تيران وصنافير تتعلق بمسألة الأرض التي هي عرضنا ليست قضية سياسية.

فلسنا أمام جبهتين، جبهة تنازلت عن الأرض، وجبهة أخرى تجاهد من أجل الحفاظ عليها، فالجبهة الأولى التي تتمثل في الرئاسة والحكومة تمتلك من الوطنية والحكمة التي لا يمكن لأحد أن يزايد عليها، ويتهمها بأنها يمكن أن تفرط في الأرض، فلا يوجد لديها مبرر ولا دافع لذلك على الاطلاق، والجبهة الثانية التى لجأت إلى القضاء لحسم القضية، وهى جبهة لا أشكك فى وطنيتها أيضاً تدافع عن الأرض فقط، إلا أن الحماس والتشنج والغرض السياسى يقودها في كثير مما تفعله وتقوله.

لقد صورت الجبهة الثانية القضية على أنها صراع مع النظام، حاولت بكل الطرق أن تلصق به اتهامات بالخيانة والعمالة والتفريط في الأرض، وهى اتهامات لا دليل عليها، فالسلطة التنفيذية لم تنفرد بالقرار، أحالت الاتفاقية الى البرلمان،

ولم تتدخل في أعمال القضاء، ولم تسع الى التأثير عليه، بدليل أن حكم المحكمة الإدارية العليا صدر ضدها، تعاملت برقى واحتفظت بحقها فى أن تقدم ما ترى أنه دليل على صحة موقفها.

ولذلك لم يكن مناسبا أبدا أن تهتف الجبهة الثانية ضد النظام أمام مجلس الدولة بعد حكم الإدارية العليا بسقوط النظام وتطالب برحيله، لأن الخلاف في الأصل ليس سياسيا على الاطلاق، بل هو خلاف قانوني ودستوري وبرلماني، بما يعنى أن مؤسسات الدولة لا تزال تتفاعل مع القضية، بما لدى كل منها من أدوات وأوراق ومستندات ووثائق.

فعليا لم تنته القضية، وهو ما جعلنا ننظر إليها نظرة مهنية بحتة، فإيران وصنافير مصرية حتى الآن، لكن هناك جولة أخرى ساحتها هناك في المحكمة الدستورية التي ستكون لها كلمة، ربما تكون أخرى، ثم أن البرلمان لن يقف مكتوف الأيدي، بل سيمارس دوره الذى حدده له الدستور، وستكون له كلمة يمكن أن تكون أخرى تماما.

الفارق بين الجبهتين أن النظام السياسي لا ينظر إلى من احتجوا على اتفاقية تيران وصنافير على أنهم مخربون أو خارقون، بل اثنى على وطنيتهم، وإذا قلت كيف ذلك وهو طاردهم وحاكمهم وسجنهم؟ سأقول لك: هذه قضية أخرى، فهو طارد المتظاهرين دون تصريح، وتعقب من حاولوا إشاعة الفوضى بحجة الحفاظ على الأرض.

القضية لم تحسم بعد، هذا هو الواقع فعلا، لا يمكن أن نتجاهله.

لكن ما يشغلني هو حالة التناحر والغضب والتربص واستغلال القضية سياسيا، لهز الثقة فى النظام الذى أثق في دوافعه تماما، وإن كنت أعيب عليه الطريقة التي أخرج بها الاتفاقية من البداية.

لقد قال لنا الرئيس السيسي في لقاء بقصر الاتحادية إبريل الماضي أنه لم يأخذ قرارا بتوقيع الاتفاقية إلا بعد أن اطمأن الى سلامة موقفه، ولديه من المعلومات ما يسند ذلك تماما، وعليه فليس من العقل أن يتحول الصراع من قضائي إلى سياسي، لأن المنطق يقول أن القضية عندما ستحسم تماما من الدستورية ومجلس النواب الذى يحتفظ بحقه في نظر الاتفاقية سيخضع لها النظام تماما، دون أن يلتف حولها، فالرجل الذى حمل روحه على كفه ليخلص مصر من حكم الفاشية الدينية لن يخسر مجده بالتفريط في الأرض... هذه كلمة حق أقولها حتى لو غضب منى الجميع.