رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فكرى أباظة يا مصور!


«فكرى أباظة، يا مصور» هكذا كان باعة الجرائد يدعون زبائنهم لقراءة مجلة المصور فى عصرها الذهبى برئاسة تحرير «فكرى أباظة»، و الذى يقول الأديب الكبير عبدالعزيز البشرى عن مقالاته «كم شق باعة الصحف حناجرهم باسم فكرى أباظة ولكم تطرف الناس وتناولوا بحديث فكرى أباظة.. الحق أن هذا الفتى قد استحال كاتباً كبيراً.. لقد أصبح شيئاً كبيراً ومهماً فى مصر رغم صغر سنه.. وأصبح لا يستغنى عنه الأدب ولا اللغة ولا السياسة. لقد أصبح فكرى أباظة ـ فى نظر البشري.. معنى من معانى الحركة وعنصراً من عناصر الحياة فى هذا البلد.. فهو لازم كالرمل للنازحين للإسكندرية فى الصيف.. وللناس فى كافيه ريش فى القاهرة فى الشتاء.. وهو لازم لزوم الفن الجميل يستريح به الناس فى كل بلد وفى كل جيل.

وقد عرف عن فكرى أباظة المحامى والصحفى والبرلمانى والإذاعى أنه أحد أهم الساخرين فى تاريخ الكتابة الصحفية وعبر كل الوسائط التى تعامل مع مجتمعه من خلالها، ولهذا أطلق عليه اسم الضاحك ـ الباكي.. حتى أنه أطلق هذا الاسم على أول مؤلف له عن أدب وفعاليات الثورة والوطن، بل وحتى الأمور الإنسانية والعاطفية التى عاشها. يحكى «أباظة» أنه وبصدد الكتابة عن أزمة حالكة من الأزمات السياسية، سنة 1948، يقول: كتبت مقالاً فى «المصور» وجهت فيه «التماساً» إلى «الملك فاروق» أرجوه فيه رجاءً لاملحاً أن يجمع زعماء البلد. وأن يقفل عليهم باب الغرفة فى السراى. وأن يطلب إليهم أن لا يغادروها حتى يتفقوا على تشكيل «حكومة ائتلافية» تنقذ البلد من تناحر «الأحزاب» وتكون «جبهة واحدة» ضد الإنجليز..

كان «الملك فاروق» فى الإسكندرية، وكلمنى المرحوم «كريم ثابت» تليفونياً قائلاً: صاحبك زعلان جداً.. مين صاحبى يا كريم؟ الله! الكبير.. وفهمت طبعاً أن «صاحبنا الكبير» هو «الملك»! وكنت متأكداً أن «كريم» يتكلم بجواره وهو يستمع فقلت «لكريم»: الله.. طيب يا «كريم» مش ده رأيك؟ مش أنت قلت لى ألتمس من «جلالة الملك» دعوة الزعماء ليتفقوا؟! واُحرج وأقفل التليفون فجأة..

كان ذلك يوم «أربعاء» ليلاً.. و«المصور» يصدر فى الإسكندرية ليلة الخميس.. ويوزع فى «القاهرة» صباح الخميس..

وبعد منتصف الليل دق جرس التليفون عندى، فإذا بالمتحدث المرحوم «النقراشى» قال: إيه اللى كاتبه ده؟ جلالة الملك ثائر جداً ويطلب تقديمك لمحكمة الجنايات بتهمة «العيب فى الذات الملكية»! قلت: يا باشا. أى عيب؟

قال: طبعاً لما تقول «للملك» أعمل كيت وكيت، وهو لم يعمل فمعنى هذا أنه مقصر فى واجبه!.. قلت: يا باشا، القصد، النية! النية؟ ثم أين «العيب»؟ قال: إن لم يكن «عيباً «وخيانة فهى «جنحة لوم» حسب القانون... قلت: يا باشا: قدمونى للمحاكمة كما تشاءون... وعلمت أن مداولة جمعت بين بعض كبار القانونيين أسفرت عن أن ما كتبته لا يُعتبر «عيباً» ولا «لوماً» وإنما هو «التماس».. «رجاء».. «اقتراح»... وفى الأسبوع التالى بعد هذه «التليفونات» و«التهديدات» كتبت مقالاً قلت فيه..

إن ما نشرناه فى العدد الماضى كان رأياً من الآراء.. ولكن كتب إلى الكثيرون يقولون: لماذا تطلب إلى «الملك» هذا؟ ولا تطلب إلى «الزعماء» أن يجتمعوا من تلقاء أنفسهم لو كانت لديهم وطنية؟! لماذا تحمل «الملك» ما يجب على الزعماء أن يتحملوه؟ ونشرت هذه الكلمة ونسبتها إلى «الكثيرين» ولكن حقيقة الأمر أن «الملك فاروق» بعد أن تحقق من أن «التهمة» لا تنجح خيانة أو جنحة. طلب أن أكتب هذا... فكتبت... تذكرت ذلك الفارس المبدع والبرلمانى الشجاع، ومعاركه وأنا أتابع بعض كتابنا وإعلاميينا تحت قبة البرلمان، وهم يمارسون ذلك النمط الاستهلاكى من المعارضة المستأنسة أحياناً، وفى أحيان أخرى لخدمة منبرهم الصحفى أو الإعلامى عبر التأثير على الرأى العام بشكل انتهازى سلبى، مما يؤثر فى النهاية فى اتجاه تشكيل جماعة ضغط تحت قبة البرلمان لإصدار تشريعات مخالفة للدستور أو ضد مصالح جماهيرية للأسف!!