رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ارحموا بقى الشعب


بينما تقترب مصر من الإفلاس ويقترب فقراؤها من شبح الشدة المستنعرية، وبينما يكافح رئيس الدولة وحكومته لإصلاح اقتصادى فى حدود الممكن، وبينما تسحق البلاد أعباء تعويم العملة المصرية وأعباء الزيادة الرهيبة فى أسعار كل شىء، وبينما نتسول القروض والمعونات والوقود من شتى أهل الخير من دول العالم، نسمع ونقرأ عن إنفاق أسطورى لإخواننا المليارديرات فى حفلات زفاف لم يجدوا لها مكاناً فى مصر فذهبوا إلى فنادق وصالات أفراح أوروبا الشقيقة!

أحدث هذه الأفراح يتزامن مع قرارات تعويم العملة وزيادة أسعار الوقود وإعلان التقشف على الشعب المصرى الكريم المتقشف أصلاً من المهد إلى اللحد. تقول الصحف إن فلاناً ابن فلان سوف يتزوج من فلانة ابنة فلان، ولما كان والد العروس ووالد العريس قد فشلا فى العثور على مكان مناسب لحفل الزفاف فى القاهرة أو الإسكندرية أو شرم الشيخ أو الساحل الشمالى أو المنتجعات العملاقة الرائعة فى شتى أنحاء البلاد، فقد قررا نقل حفل الزفاف إلى فلورنسا الشقيقة – فى إيطاليا الشقيقة أيضاً – كما تقرر نقل إخواننا المعازيم وأقارب العروسين إلى الدولة المذكورة على حساب أصحاب الفرح، ويبلغ عدد هؤلاء المعازيم بين خمسمائة وألف شخص وفق رواية الجهات التى نشرت الخبر، وتبلغ تكاليف السفر والحفل والإقامة والهدايا مبلغاً أسطورياً يزيد عن المليار جنيه قبل تعويم الجنيه، وقد يصل إلى ضعف المبلغ بعد التعويم!! الناس الذين قرأوا أو سمعوا عن هذا الحفل كان كل منهم يبحث عن حل لمشاكل ارتفاع أسعار المواصلات وارتفاع أسعار السلع الأساسية وارتفاع أسعار الملابس وارتفاع أسعار الدواء مع انخفاض حاد فى الدخل الشهرى للمواطن الكحيان نتيجة الإصلاح الاقتصادى الذى لانرفضه ولكننا فقط نطالب أن يشارك فيه الغنى قبل الفقير.

نفس الصحيفة التى نشرت أخبار هذا الزفاف المصرى الفلورنسى المليارى الأسطورى نشرت فى نفس العدد مقالات وتحقيقات تطالب السيسى وحكومته بعدم فرض ضرائب تصاعدية حتى لايزعل المستثمرون والمليارديرات ويهرب كل منهم بفلوسه من جحيم الاشتراكية المصرية التى يقال إن الحكومة سوف تطبقها لو فرضت ضرائب تصاعدية!! فى الولايات المتحدة الأمريكية معقل النظام الرأسمالى يدفع المواطن الأمريكى 900 ألف دولار ضرائب للدولة لو وصلت أرباحه إلى مليار دولار، يعنى 90% من الربح، ويحتفظ بـ 10%. فهل قال أحد من الأمريكان المليارديرات إن بلاده تطبق النظام الاشتراكى؟ وهل تهرب عمالقة الصناعة والتجارة الأمريكان من دفع هذه الضرائب لبلدهم؟ وهل رفض الكونجرس الأمريكى قوانين الضرائب التصاعدية حتىلاتقع البورصة ويهرب السادة المستثمرون؟

لا أحد يفهم المنطق الذى يدار به الشأن الاقتصادى فى مصر، هل نحن دولة رأسمالية؟ وإن كنا كذلك فلماذا لا نطبق الرأسمالية العلمية الحقيقية التى تكفل للدولة وللفقير أكبر قدر ممكن من الحماية والمشاركة فى أرباح أصحاب الأعمال الصناعية والتجارية والخدمية؟ أليس هذا الشعب البائس هو الزبون الرئيسى لمنتجات السادة الأثرياء؟ أليس هذا البلد بعشوائيات السادات ومبارك هو الذى منح هؤلاء الناس فرص الثراء الرهيب؟ نحن لا نطالب بمصادرة أموالهم، ونعرف ونعترف بأن بينهم شرفاء حتى لو كانوا نسبة ضئيلة، ولكننا نطلب من الحكومة والنظام والرئيس تطبيق الرأسمالية بكل قوانينها على الغنى قبل الفقير، وإن كان أثرياؤنا ماعندهمش دم فالقانون كفيل بإجبارهم على أداء حق الدولة، أو نقل شركاتهم إلى فلورنسا واليونان مثلما ينقلون حفلاتهم المليونية والمليارية.