رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المثقفون وحكام مصر «12»


لم يكن ما ورد فى البيان تجاوزاً للحدود الطبيعية لدور المثقف، كما أنه لا يمكن القول بأن فيه تهجماً على النظام. كان بياناً متوازناً ومعتدلاً. وحاول المثقفون نشر البيان فى الصحف المصرية وقتها، ولكنهم، لم يتمكنوا.. فقاموا بنشره فى الخارج فى إحدى الصحف اللبنانية. بمجرد نشر البيان فى الخارج قامت مظاهرات الطلبة. وتم قمعها، وأحيلت قيادات الطلاب إلى النيابة العامة، وأفرج عنهم بعد ذلك. وأصدرت نقابة الصحفيين بياناً يؤيد المطالبة بالحريات والديمقراطية. وألقى السادات خطاباً تناول فيه الكتاب والمثقفين ووصفهم بـ «الأفندية» وكان بادى الغضب، وتناول فيه توفيق الحكيم بالسخرية.

وفى محاولة من السادات لاحتواء غضب الكتاب كلف الدكتور عبدالقادر حاتم نائب رئيس الوزراء بلقاء عدد منهم، وبالفعل التقى عبدالقادر حاتم بتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وثروت أباظة، تحدث حاتم مع الحكيم ورفاقه، وأخبرهم أن الحرب لن تكون سوى مناوشة محدودة تلفت نظر العالم إلى خطورة الموقف للإسراع بالتدخل وحل الأزمة، وهو ما دعا توفيق الحكيم إلى كتابة رسالة إلى الرئيس السادات تحمل وجهة نظره فيما قاله الدكتور عبدالقادر حاتم عن طبيعة الحرب المقبلة، حملها إليه محمد حسنين هيكل.فوجئ السادات بأن الدكتور عبدالقادر قد أفشى خطة الحرب، وفى محاولة للتمويه طلب الرئيس السادات أن يقابل توفيق الحكيم بنفسه! تمت المقابلة فى استراحة القناطر الخيرية، كان السادات يعلم ولع توفيق بالأوبرا عندما كان فى باريس، وأخبره السادات عن نيته بناء أوبرا جديدة، بدلاً من تلك التى احترقت، ولم يردد أمام الحكيم أى كلمة مما قاله له الدكتور عبدالقادر حاتم. كما لم يتعرض لبيان الحكيم، ولم يردد السادات أمام الحكيم ما ورد فى خطابه من اتهامات.كانت لدى الرئيس السادات هواجس من اليساريين، فهم كانوا يريدون الإطاحة به فى عام 1971، ولكنه تمكن من الانتصار عليهم، فيما عرف وقتها بثورة التصحيح فى مايو 1971، وقام بسجن كل من شارك فى تلك الخطة التى كانت تقضى بالإطاحة به. لأجل انعدمت ثقة الرئيس فى اليساريين من المثقفين، عندما قرر الاتجاه بالسياسة الاقتصادية للناحية الأخرى، ناحية المعسكر الرأسمالى واليمينى. لأجل ذلك، عارضه المثقفون فى مصر، بسبب ثقافتهم اليسارية التى تشكلت فى عهد عبدالناصر، بسبب تبنى الدولة للفكر اليسارى ونهج الاشتراكية فى الفكر الاقتصادى. والسياسات الاقتصادية التى تبنتها الدولة فى ذلك الوقت. كانت معارضة المثقفين من خلال ما يكتبونه فى الصحف أو المؤتمرات والندوات. وكان الرئيس السادات يرى أن المثقفين والكتاب يقفون عقبة فى طريق مشروعه الجديد والاتجاه ناحية اليمين. عندما بدا الرئيس أولى خطواته التنفيذية والعملية فى الاتجاه ناحية اليمين، أرسل السادات مستشاره للأمن القومى، الدكتور حافظ إسماعيل ليقابل الرئيس الأمريكى نيكسون، تحت أضواء الدعاية والإعلام، فى فبراير 1973، والتقى هناك أيضاً وزير الخارجية الشهير هنرى كيسنجر، والذى كان له دور بارز، فى توجيه سياسات السادات كلية ناحية اليمين.

وبدأ بعض الكتاب والمثقفين يرفضون سياسة السادات. فقد وصف الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين سياسة الانفتاح بأنها سياسة السداح مداح.