رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم.. والمسئولية المجتمعية


فى الحقيقة، لقد تعودنا عند التعرض لمشاكل التعليم أن نعرض النماذج السيئة للإدارة المدرسية والمدرس، وكيف وصل الحال ببعض الأساتذة فى توقيع أشكال من العقوبات غير الإنسانية وغير المقبولة على تلاميذهم، وإلى حد المبالغة البشعة بوصف أصحاب مثل تلك الممارسات ــ وهى بالطبع قليلة ــ أنها ممارسات داعشية تحدث فى مدارسنا، دون النظر أو التطرق إلى دور الأسرة والممارسات التربوية الخاطئة... فالأسرة التى تقبل ــ على سبيل المثال ــ بسهولة استبدال دور المدرسة بالتحاق أولادهم بمراكز الدروس الخصوصية وعدم الذهاب إلى المدرسة دون متابعة وملاحقة إدارة المدرسة للتعرف على أسباب انسحابها من دورها التعليمى والتقدم بشكاوى اعتراض للإدارات التعليمية وديوان عام الوزارة وكل الجهات المعنية بالمراقبة، أمر غريب يستوجب التوقف عنده ومناقشته بجدية وحسم .. فى لقاء لى مع الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم الأشهر الراحل، أخرج لى ملفاً ضخماً، وقال لى «هذا الملف يحوى 80 ألف شهادة مرضية وهى فى أغلبها مزورة يقدمها أولياء الأمور بادعاء مرض أولادهم حتى يتفرغوا لمتابعة الدروس الخصوصية، ووصفها بالجريمة التى نتشارك فيها جميعاً كمجتمع مصرى»!! كَتبت معلمة بمدرسة ابتدائية على صفحتها الفسبوكية من باب الفضفضة وتوجيه النصح للأصدقاء على صفحتها من أولياء الأمور تجربة عاشتها مع تلميذة لها... حكت المعلمة ببساطة بخليط عفوى بين الفصحى والعامية أحببت أن تصل للقارئ بذات حروفها تقريباً، قالت «بنوته أموره فى الفصل ضربت صاحبتها، وبعدين بنت تانيه قالت لى إن نفس البنت ضربتها برضه فتوجهت مندفعة نحو البنت وسألتها: انتى ضربتى صاحبتك؟.. أصرت إنها لم تضربها، وبعد ضغط منى قالت لى أنا لما بتعصب مش باعرف أنا باعمل إيه، حاولت كتير إنى أبطل بس مش عارفه، وماما كمان بتقولى أبطل عصبية... سألتها: هى ماما بتتعصب عليكى أو بابا؟.. البنت قالت بحزن مكتوم: أه جداً وكمان بتضربنى بالحزام والشبشب والعصاية وباكون مرعوبه أوى.. لم امتلك نفسى إلا وأنا باخرج من الفصل دامعة فى حزن، ورجعت حضنتها وقلت لها انت بنت كويسه لأنك قلتى اللى عايزاه بدون خوف، انت بنت طيبة وأنا بحبك، وبعد ما كنت ناويه أعاقبها حسيت إنى لازم أحضنها وفعلت....ووجهت تلك المعلمة كلامها إلى الأمهات الضرب بالطريقة البشعة دى قمه الإيذاء النفسى لأولادنا وبناتنا، والنتيجة شعور وهمى بالذنب لأنها عايزه تتغير ومش عارفه وهو أساساً الغلط مش منها، فتكون المعاناة من فقدان الثقة بالنفس والتصرف بعنف، وألم داخلى غير عادى كان باين فى عيون تلميذتى، ويا أمها، و يا كل أم متنسيش لما يكبروا أولادك اللى اعتديتى عليهم بالضرب إنك تحجزى عند طبيب نفسى من دلوقتى علشان المعاناة اللى هيشوفوها لما يكبروا والتشوهات فى شخصيتهم. أرجوكم توفقوا عن إيذاء أولادكم... توقفوا عن الضرب...». عندما نؤكد لطلابنا وطالباتنا أن هناك من ينصت إليهم باحترام فى البيت والمدرسة، فإننا نضمن أننا سندفع لمجتمع الغد ببشر لن يتحول ما يقولونه إلى سباب ومعانى تفيض كراهية ونقمة.. ولابد أن نحفظ للمعلم هيبته بدلاً من الاكتفاء بالإشارة بأصابع الاتهام له مع كل حادثة فردية تضخمها كل وسائط الميديا بشكل فضائحى، مما دفع وزارة «الهلالى» الحالية باعتماد لائحة انضباطية تحكم علاقة المدرس والإدارة المدرسية بالطالب، وهى فى أغلبها تُجرد المدرس من أى سبل عقابية للتعامل مع الطالب (مفتقد التربية الأسرية) للأسف، وأعرض لمهازلها فى مقال قادم بإذن الله!!!

لم يعد الهدف تكوين مجتمعات من الناس متشابهة بل إعداد أجيال وبشر قادر على التواصل مع الغير ومتقبل لوجهات نظر الآخر، فلم يعد مقبولاً أن يظل المدرس مجرد ببغاء يكرر الكلام بشكل يومى فى قاعات الدرس بدلاً من أن يكون مشاركاً وفاعلاً وموجهاً نحو التطوير والإصلاح.. الآن ونحن نحلم بجد لدعم وترسيخ مفاهيم وآليات الديمقراطية، فإن إعمالها فى مجال المنظومة التعليمية بات ضرورة ملحة من خلال اعتماد آلية الحوار والمناقشة بدلاً من السكب الجبرى والفوقى للمعلومات والمقررات ونظم الأداء، حتى يكون لدينا الأمل فى أن تقوم المؤسسات التعليمية بدورها المهم فى مجال تأكيد مبادئ الديمقراطية لدى شبابنا من خلال تنمية مداركه على التمييز والاختيار الجيد الحر عند اتخاذ القرار ودفعه للمشاركة فى صناعة القرارات العامة، بالإضافة إلى السعى لإيجاد مسارات وفرص للتثقيف السياسى وتأكيد وإثراء مشاعر الانتماء من خلال مجالستهم وتمكينهم من أدواتهم للتواصل مع حضارة وتراث وثقافة الوطن، وبنفس القدر والأهمية فتح كل المنافذ وسبل الاتصال مع حضارات العالم وثقافاته المختلفة.