رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قانون بناء وترميم الكنائس يقنن الانقسام


أثير هذا المطلب عبر النصف قرن الماضى بعد أن أصبح ترميم كنيسة دون موافقة رئيس الجمهورية يشكل جريمة وإن لم تكن تستند على أى من مواد العقوبات، وأذكر واقعة يمكن أن تكون مضحكة أو مبكية فى زمن صار فيه الضحك كالبكاء، ففى إحدى مدن الوجه القبلى شاهد الحارس المعين من المركز أو القسم أن أحدهم يدخل إلى مبنى الكنيسة وهو يحمل لفافة بها كيلو جرام واحد من الأسمنت...


... مع قدر من الرمل لا يزيد كثيرا عن حفنة الأسمنت فما كان من الحارس الأمين إلا وأبلغ السيد مأمور القسم الذى بدوره استدعى القسيس كمتهم مقبوض عليه لأنه تعدى القواعد القانونية باعتبار ما اقترفه مخالفا للقانون حتى وإن لم يكن متضمنا فى باب الجنايات، ولم يكن القسيس يبنى مبنى بكيلو أسمنت وحفنة من الرمل وإنما كان يهدف إلى تثبيت بلاطة واحدة على منبر الكنيسة وبالأصالة بالسيد المأمور وأتمنى أن يكون لا يزال بيننا ويتذكر تلك الواقعة أو ربما لكثرة أمثال هذا الموقف «ها يفتكر إيه ولا إيه» وتتكرر الوقائع معنا فى صور هزلية أحيانا وصور التلويح بالعقاب المقيد للحريات دون قانون إلا من بعض البنود المخجلة التى وضعها ضابط برتبة وكيل وزارة عرفت بالشروط العزبية العشرة.

وإحقاقا للحق فقد كان هناك القليل من السادة المحافظين ومنهم الصديق المستشار عدلى حسين عندما كان محافظ القليوبية بعد أن ترك محافظة المنوفية التى كان أحد أعضاء مجلس الشعب هو الحاكم. وكان للمستشار عدلى حسين موقف مغاير كرجل قانون يزن الأمور نظرة القاضى حتى وهو على مقعد سياسى.

وضع المستشار عدلى حسين نظاما يتمشى مع تفويض رئيس الجمهورية سلطاته فى الترخيص لبناء وترميم الكنائس مما حدا بمحافظ القليوبية آنذاك أن يصدر تعليماته بالتجاوب مع طلبات ترميم وبناء دور العبادة «آسف الكنائس» بأنه سوف يرسل الطلب إلى وزارة الداخلية بشرط أن يأتيه الرد خلال خمسة عشر يوماً ثم أعطى نفسه وأجهزته مدة مماثلة بعدها يصدر القرار. صحيح أنه كان - على ما أذكر المحافظ الوحيد الذى يتجاوب مع المطالَب بالقبول أو الرفض بهذه السرعة. أما المثال الصارخ الذى لن يضيع من ذاكرتى كان بناء كنيسة على الأرض المملوكة لها والمشتراة من الدولة مشفوع العقد ببند يقول إن هذه الأرض مخصصة لبناء كنيسة ولا يجوز استخدامها لغير هذا الغرض وظل الحال على ما هو عليه أرض فضاء دون تصريح بالبناء إلى أن جاء لحكم مصر رجل يراعى الله والضمير الحى فى تحقيق مطالب شعبه دون تفرقة لأى سبب من الأسباب ولدينا من هذه الوقائع الكثير، فمن النصف الأول للقرن التاسع عشر صدر قانون بناء الكنيسة فى العام الخامس عشر من القرن الحادى والعشرين متمنيا أن تكون الأجهزة التنفيذية قد أنهت الإجراءات للقيام بالبناء حتى يفتتح السيد الرئيس البناء. وعودة إلى ما يسمى «قانون بناء وترميم الكنائس» والذى يدور حوله الحديث وللحق كنت أستشعر ما يدور حول هذا القانون الذى لم يولد بعد وأخشى أيولد مشوها ليصبح البكاء بديل الضحك، ولهذا كان من رأينا أن لا يصدر قانون خاص بفريق من مواطنى مصر دون فريق آخر وكان مطلبى أن يصبح القانون هو قانون بناء دور العبادة حتى لا يصبح القانون فئويا يفتى كل فريق برأيه وإن كان على خلاف، كما لا يفوتنا أنناشعب نعرف صياغة القوانين وكيف تولد وبرف واحد تتغير المعانى أو حتى بوصلة أو نقطة تجعل القانون أعرج أو مقيدا بشروط يصعب تحقيقها ولنا فى الشروط العزبية العشرة لا أقول خير الامثلة فقد جانبها كل دواعى الخير لأمة واحدة ليس فيها غريب أو نزيل.

وبهذه المناسبة فقد تابعت ما يدور من لغط حول إصدار قانون بناء وترميم الكنائس ومع أنى كنت شريكا فى صياغة مواد الدستور الأول والثانى بعد تعديله ولم أكن مستريحا على مبدأ تقسيم المواطنين فى الوقت الذى ندعى أننا شعب واحد ليس منا غريبا أو نزيلا أو لاجئا فكلنا شركاء فى هذا البلد كل لبنة فيه من صنع أيدى المصريين -كل المصريين- معا مات شبابنا فى الحروب التى خاضتها مصر ومعا تحملنا المعاناة فى عصور لم تكن مرضية أو مريحة، ومن البديهى أن من تحمل الغرم يشارك فى الغنم وهو مبدأ اخلاقى ومبدأ قانونى فالتعبير القانونى كما فى اللغة الفرنسية لكلمة مواطن أى من يتمتع بامتياز عضويته فى بلده فيستحق كل الحقوق التى ترتبها العضوية سياسيا واجتماعيا مع التزام المواطن بواجباته كما أسلفنا مبدأ الغنم والغرم كما أن علماء الاقتصاد يعرفون المواطنة بإشباع الحاجات الاساسية والعمل الجماعى فى السلم وفى الحرب، والمواطنة تشمل ثلاثة عناصر مهمة هى العنصر المدنى وهو حرية الفرد فى التعبير وفى الاعتقاد وفى التملك والتمتع بالعدالة مدنيا وقضائيا.

أما العنصر السياسى والذى يشترك فيه كل مواطن فهو الحق فى المشاركة فى الحياة السياسية لكونه مواطنا له كل الحقوق وعليه كل الواجبات، وهذا يتم من خلال المجالس النيابية التى يشارك فيها. أما العنصر الاجتماعى فهو حق كل مواطن فى التمتع بسائر الخدمات التى توفرها الدولة فى شتى المجالات ومنه الجانب الروحى أى ممارسة العبادة وفق انتماء وإيمان كل فرد وبهذه المناسبة فقد حاولت الاطلاع على حقوق غير الأمريكيين سواء من تجنسوا بالجنسية الأمريكية أو من وفدوا اليها طلبا للعلم أو العمل، ففى الولايات المتحدة يلتقى أصحاب الجنسيات واتباع الديانات من كل صوب وحدب فهناك ديانات العالم كله وجنسيات من معظم دول العالم أيضا.

وللحديث بقية