رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة.. والحكيم الفلكى


فى ذكرى وفاة الكاتب الكبير توفيق الحكيم، والاحتفاء بها على صفحات جريدتنا الغراء «الدستور»، أتذكر حكاية القاضية شيرين فاروق التى نشرتها مجلة « آخر ساعة» قبل ثورة 25 يناير بأيام، وقولها إن قرار تعيين المرأة قاضيا قد تأخر، فقد تقلدت المرأة العربية هذا المنصب منذ أكثر من عشر سنوات.. وللغرابة أنه وأيضا على صفحات ذات المجلة «آخر ساعة» ومنذ أكثر من نصف قرن من الزمان نجد مقالا رائعا للكاتب الكبير توفيق الحكيم تحت عنوان «المرأة بعد سنة 2000» عدد 10/7/1946 يستهله بقوله «أردت يوما أن أتخذ مهنة الفلكى لحظة، وأن أسدد المنظار إلى النجوم وأطالع الغيب، لأرى ما سوف يحدث للمرأة من تطور فى مستقبل الأيام.. وأستطيع أن أؤكد للناس إنى أبصرت الذى سوف يقع على وجه الدقة والتحقيق.. ويسترسل الحكيم فىعرض عدد من التوقعات بشكل غاية فى الطرافة والرؤية الإبداعية المشوقة.. أتوقف عند بعضها: فى سنة 2000 ميلادية تظفر المرأة بحلمها، وتنال المساواة بالرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، فلم يعد هنالك ما يحول بينها وبين المناصب التى استأثر بها الرجل .. فهى تتولى الآن رئاسة الوزراء وتؤلف وزارات بعض أعضائها من الرجال والبعض من النساء، وهى تشترك فى الأحزاب وترأس بعضها ..

ويضيف الحكيم، فى سنة 2100 ميلادية يصبح للمرأة الحق فى أن تُعين قاضية فى المحاكم العليا وأن ترأس محاكم النقض، وأن تكون فى منصب النائب العام .. فى سنة 2200 ميلادية تحتل المرأة المراكز العليا فى الجيش، فهى تستطيع أن تكون قائدة ورئيسة لأركان الحرب .. وهكذا مع مرور السنين يرى الحكيم أنه من الممكن أن تنمحى الفروق تماما بين الرجال والنساء فى الوظائف العامة والخاصة .. وأنه نظرا لتعميم الخدمة العسكرية والألعاب الرياضية للجنسين فقد أدى الأمر إلى ظهور العضلات فى جسم المرأة، وقسوة النظرة فى العينين .. ويسترسل، ليؤكد أنه مع دوران حركة التاريخ تعود المرأة إلى البيت، ويراها وقد عادت إلى ارتداء البرقع وقد تم الفصل بين مجالس النساء والرجال... إلخ ..

وينهى مقاله أنه فضل أن يطرح المنظار جانبا ولا يمضى فى مطالعة الغيب حتى لا يتعرض لسخط الأحزاب النسائية المنادية بالتقدم والتحرر والتجديد والعودة فورا إلى عام 1946 حتى لا يُتهم بالرجعية والجمود.

والحقيقة أنه بالإضافة لاستمتاعى بقراءة المقال، وإعجابى بمتابعة الكاتب لحركة دوران الزمن بالناس وعرضها ببساطة، وأيضا طرافة عرضه للمتغيرات التى تطرأ على الإنسان، وكيف يكون التفاعل مع الحضارات، وتوالى تعاقب أطروحاتها سلبا وإيجابا، صعودا وهبوطا، فقد بهرتنى هذه الرؤية الإبداعية فى مجال استشراف الكاتب لأمور مستقبلية يكاد يجزم بحدوثها.. فإذا بنا نراها وقد حدثت مثل تعيين المرأة قاضية، وحتى قبل التاريخ الذى توقعه الكاتب لحدوثها.

يحدث هذا الصعود والهبوط فى مجال المد الحضارى ثم الانحسار بعد أن يعم على البلاد والعباد فيض من إيجابيات إنجازات تلك الحضارات، إلا أن شعوبنا تشهد للأسف تراجعا يبدأ برفض نسبى لبعض المكتسبات الحضارية، ثم وبشكل متسارع يمكن العودة إلى المربع الأول وبغرابة مذهلة، وقد يتبدى هذا التراجع فى بعض جوانب الحياة فى بعض فترات التاريخ، وقد يشمل الأمر كل مناحى الوجود الإنسانى وعندها ينذر الأمر بالخطر الذى طالما تحدث عنه عالمنا الكبير الراحل أحمد زويل حول توقعه لحالة اختفاء لأمتنا العربية من على خريطة العالم علميا إذا استمر الحال على ماهو عليه، وأيضاً ما صرح لى به أعظم وزير تموين مصرى الراحل د. أحمد جويلى بتحذيره العرب من إمكانية اختفاء دولهم من على خريطة العالم لو تقاعسوا عن التفاعل الحضارى مع مستحدثات أطروحاته وإنجازاته، والأهم التكامل والتعاون المشترك فيما بينهم.