رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسامة عكاشة ودراما القيم العليا


قبل أن تودع مصر والأمة العربية بأيام قليلة أحد أهم رواد الإبداع الدرامى والحكاء المصرى والتاريخى، وصاحب أروع وأخلد رحلة مع دراما الشعب المصرى الكاتب أسامة أنور عكاشة...

... كان لكاتب تلك السطور فرصة إجراء أكثر من حوار صحفى تم نشرهما فى مجلتى « المصور» و«آخر ساعة»، وقد أسعدنى فى حينها إشادة الكاتب بأهمية الحوار ..

تذكرت ما جاء فى حوارى مع الكاتب الكبير، وأنا أقرأ مع المذيعة اللامعة «دينا رامز» ما جاء فى الصحف والمواقع الإلكترونية عبر برنامجها «صباح البلد»، وهو البرنامج الصباحى الأهم نظراً لمدى حرفية إعداده وإخراجه.. تذكرت حوارى مع الكاتب الكبير وهى تسألنى «كيف ترى تغطية الصحافة ومتابعاتها النقدية لدراما شهر رمضان ..» فكنت قد سألته تقريباً نفس السؤال عن حال الإبداع بشكل عام فى مصر المحروسة ــ وهى فرصة أراها مهمة للتذكير بإجابته فى مناسبة الحديث عن دراما رمضان ـــ قال عكاشة «على مستوى الإبداع الأدبى والفنى، الأمر ليس له علاقة بالوضع السياسى أياً كان إيجابياً أوسلبياً، فالمبدع يبدع معارضاً أومشايعاً أياً كان موقفه السياسى ولدينا مثال رائع فى الراحل العظيم نجيب محفوظ فقد ظلت كتاباته عبر أربعة عصور من عهد الملكية وحتى عهد عبد الناصر والسادات وعهدنا الحالى «يقصد عصر مبارك فقد رحل كاتبنا عام 2010»، ولم يثنه عن إبداعه وطرح فكره أى ظرف تاريخى أومتغير ما طرأ على البلاد، المجيدون يبدعون ويكملون رحلات إبداعهم فى كل الظروف..لكن يمكن القول إنه ـ وللأسف ـ تزايدت فى الفترة الأخيرة أشكال الإنتاج الردىء، حيث النماذج الفنية السيئة غالبة والمزاج العام للمتلقى صار مزاجاً ـ للأسف ـ متخلفاً وبشكل خاص فى مجال الفنون الغنائية وبعض النماذج السينمائية والتليفزيونية.. هناك قلة من المبدعين الجادين.. وأرى أن الظرف الاقتصادى الاجتماعى الضاغط قد أسهم فى ظهور أعراض تلك الأمراض فإذا كان المرض يعلن عن وجوده فى المرضى بأعراض ارتفاع درجة الحرارة أوظهور بثور وطفح جلدى، فإن الفنون الرديئة هى بمثابة الطفح الجلدى الذى يشوه جسد المريض والوطن»..

وسألته، كيف نقرأ الماضى؟.. أعرب عن سعادته بالسؤال، وقال «إنه سؤال مهم، وهنا لابد أن نسأل بأى ذهنية نقرأ.. هل هى ذهنية الدروشة أم الاتباع الأعمى.. فى كل الأحوال لابد أن تكون القراءة نقدية فى مجال إعادة فتح ملفات التاريخ ولنضرب المثل بالدكتور طه حسين للشعر العربى عبر كتابه العظيم «الشعر الجاهلى»، الذى وضع الأساس لمنهج نقدى وهوالمنهج الذى ينبغى أن نقرأ به تاريخنا الاقتصادى والاجتماعى.. لايجب أن نقرأ للترنح والتخبط، بل القراءة لكى نناقش وهذا هو المنطق المطلوب، وعند قدرتنا على هذا سيمكننا تجاوز وعبور كل مناطق التخلف.. على سبيل المثال، للأسف الشديد عندما تم كتابة «مسلسل فاروق» فإن السيدة لميس جابر كاتبة العمل قرأت وتعبت كثيراً فى إعداد العمل ولكنها قرأت بعين واحدة، لقد استهوتها حكاية أجواء الحنين لشكل الملكية والحالة الأرستقراطية ونظرة النخبة للملكية، وكأنها تريد أن تنتمى إلى ذلك العصر.. فأغفلت الجانب الآخر وهوما استقر عليه جماع الرأى المصرى من أن هذا الملك لا يصلح وأنه ملك فاسد فساداً شخصياً قبل أن يكون فساداً سياسياً، كيف يمكن الدفاع عن ملك هوايته سرقة كل من حوله ولعب القمار فى الأوبرج ونادى السيارات ويعرف أن من حوله يهزمون له من أجل الحصول على مراكز أورتب أوأى مكاسب... نعم كان من الثابت أنه لا يحتسى الخمر ولم يكن زير نساء أومتعدد العلاقات النسائية لكن فساده وفساد القصر هوالذى أنشأ حالة إجماع من كل القوى الوطنية والسياسية حتى قبل قيام ثوار يوليو بثورتهم للتأكيد على أن هذا الرجل فاسد ولا يصلح أن يكون حاكماً لمصر.. لابد أن ننظر إلى التاريخ بعينين، ولا يمكن أيضاً أن نحمل فاروق كل الذنوب.. لقد كان ملكاً ضعيفاً ولا يستحق أن يكون محل جدل أو موضوع دراما تليفزيونية.. إن إنتاج مسلسل عن فاروق يثير الضيق والاستغراب أما كان الأولى إنتاج مسلسلات عن زعماء بقامة مصطفى النحاس وسعد زغلول وجمال عبد الناصر».. رحم الله كاتبنا الكبير، وكل سنة ومصرنا الغالية بخير، وفى كل رمضان لن ننسى «عكاشة»، أما صناع دراما إهانة ثورات مصر فسيتجاوزهم التاريخ طالما ظلوا يرون الدنيا بعين واحدة.