رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البحث عن الوقاية من عدوى فيروس البريكسيت


قد يتساءل قارئ عن معنى كلمة «البريكسيت»، وهى كلمة ليست عربية ولا فى لغة ثانية، وإنما هى كلمة استحدثت فى اللغة الإنجليزية وانتشر استخدامها فى العالم، وهى تعبير عن عملية خروج المملكة المتحدة، أى بريطانيا العظمى أو التى كانت عظمى، من الاتحاد الأوروبى بعد إجراء استفتاء عام فى المملكة المذكورة حول اختيار الانفصال عن الاتحاد الأوروبى أو البقاء فيه...


... وأسفرت النتيجة عن موافقة أكثر من خمسين بالمائة من الذين أدلوا بأصواتهم لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبى، ويبدو أن النتيجة جاءت مفاجأة للغالبية العظمى سواء داخل المملكة المتحدة أو خارجها، ويبدو أن نسبة من الذين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى هم أنفسهم فوجئوا بالنتيجة وبدأوا يستعدون لمواجهة آثار نتائج الاستفتاء، وأن بعضهم بدأ يراجع نفسه، وبعضهم يحاول أن يتراجع ويبحث عن وسيلة للتراجع، بينما يبدو أن القوى الرئيسية فى الاتحاد الأوروبى ترى أنها منحت المملكة المتحدة فرصاً كثيرة لكى تبقى داخل الاتحاد، ومنحتها فرصاً واستثناءات لم تمنحها لغيرها، ولكن المواطن فى المملكة المتحدة لم يقدر هذه الظروف والتسهيلات وانطلق فى طريق الانفصال والخروج من الاتحاد، وأن على أوروبا ان تتوقف عن تدليل بريطانيا وأن تطالب المملكة المتحدة بأن تتقدم بالطلب للخروج من الاتحاد وهى ليست على استعداد لقبول مماطلة. الأكثر من ذلك أن الاتحاد الأوروبى يرى أن نتيجة الاستفتاء تشكل الحقيقة الواقعة، وأن الشعور العام داخل المملكة المتحدة ضد الاستمرار فى الاتحاد وهذا ما يجب تنفيذه.

لكن نتائج الاستفتاء أدت إلى ما هو أكبر وأخطر من مجرد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فهى من جهة تشكل نموذجاً قابلاً للتكرار، أى أن دولاً أوروبية أخرى قد تفكر فى الخروج من الاتحاد، وبالتالى يمكن أن يتفكك الاتحاد، وهو المرشح لأن يكون قطباً عالمياً فى النظام العالمى الجديد، وبالتالى يتلاشى بدلا من أن يصعد، كذلك فإن نتائج الاستفتاء دفعت بقوى داخل المملكة المتحدة للمطالبة بالانفصال عن المملكة، ونذكر هنا أن أسكتلندا سبق أن أجرت استفتاء حول استمرارها فى المملكة المتحدة أو الانفصال عنها، وأن الاستفتاء أظهر أغلبية تؤيد استمرار البقاء فى المملكة بينما جاءت نتيجة الاستفتاء الأخير بأن عارضت غالبية الناخبين فى أسكتلندا الخروج من الاتحاد على عكس النتيجة النهائية، لذا فإن القوى الرئيسية الأسكتلندية ترفض نتيجة الاستفتاء وتدعو مرة أخرى للانفصال عن المملكة المتحدة، الأكثر من هذا أن لندن عاصمة المملكة المتحدة صوتت غالبيتها العظمى ضد الخروج من الا تحاد الأوروبى، وهناك من يطالب بأن تكون لندن تتمتع بدرجة أكبر من الاستقلالية عن السياسة البريطانية، أى أن فيروس البريكسيت أصبح ينتشر داخل أوروبا بما قد يؤدى إلى انفصال بعض دوله، وأنه لا يكتفى بذلك وإنما يمكن أن يؤدى إلى تتفكك بعض دوله إلى دويلات أصغر.

هناك من يتساءل، عن حق عن تأثير ذلك علينا سواء كمصر والمصريين، أو علينا كدول عربية وشعوب عربية؟ والمؤكد أننا لا يمكن أن نتجاهل الاتجاهات العالمية وآثارها ونتصور أننا بعيدون عن العدوى بالفيروس المذكور، وخلاصة القول التى يمكن أن نقولها فى هذا المجال ألخصها فى: أولاً أن التعامل مع كتلة متحدة أصعب من التعامل مع دول منفردة، فالكتلة لديها إمكانات أكبر للضغط على الدول التى تتعامل معها، وبالتالى فإن لدينا فرصة على الأقل للاستفادة مما يحدث فى المملكة المتحدة وأثره على أوروبا، لكننا يجب أن ندرك أنها فرصة أو فرص، لكنها لا تعمل لصالحنا تلقائياً أو بشكل آلى، بل إنها تتطلب منا دراسة واستفادة من الفرصة، فهل نحن مستعدون لذلك؟

لكن علينا أيضاً أن نتذكر ان هناك احتمالاً لأن تطالب دول عربية أو تتجه إلى الانفصال عن الجامعة العربية أو بعض مؤسساتها، كما أنه قد تلجأ أقاليم عربية إلى طلب الانفصال عن الدول التى تنتمى إليها، والحقيقة أنى قد قرأت فى إحدى صفحات الفيس بوك من يقول إنهم أمازيغ وليسوا عرباً، ولا يريدون البقاء فى الجامعة العربية، ولم أستغرب الدعوة نفسها، لكنى ربطتها زمنيا بـ«البريكسيت»، وإذا فكرنا جيداً سنسأل أنفسنا: ماذا استفادت الدول العربية من انتمائها للجامعة العربية وللعروبة؟ الحقيقة أن النتيجة حتى الآن ليست مشجعة وعلينا أن نحاول أن نتحصن ضد الفيروس المذكور قبل أن يصيبنا، وأخشى أن يكون الوقت قد فات، لكن المحاولة قد تفيد ولكنها لن تضر.