رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

30 يونيه.. والمتلاعبون بالعقول


يسأل «هربرت أ. شيللر، فى كتابه المتلاعبون بالعقول»، «كيف يجذب محركو الدمى الكبار فى السياسة والإعلام ووسائل الاتصال الجماهيرى، خيوط الرأى العام؟».

وعلى أرض الواقع، يتلاحظ فى مصر هذه الأيام وجود حالة نمو غير عادية فى مجال تشكيل قوى مختلفة لتوجيه العقول، بعضها بحسن نية وبأغراض استثمار لحالة ثورية تنشد التغيير والتطوير، وبعضها براجماتى لدعم فكر أيديولوجى لصالح جماعة ما، والبعض الآخر أيضاً قد يكونون من أصحاب فكر مؤامراتى موجه من الداخل أو الخارج ليس لتوجيه العقول فحسب، بل بالتلاعب بأصحابها، وصولاً لضرب كل مكاسب يتم تحقيقها على الأرض لثورة 30 يونيه المجيدة وهى كثيرة ومتلاحقة.. نعم، هناك حالة سيولة ووفرة معلوماتية، منها معرفية تخطف العقول والأفئدة بجاذبيتها وسبل تقديمها واختيار توقيتات طرحها بدهاء كمنتج معلوماتى ساخن لتحقيق مصالح وأهواء لجهات بعينها داخلية كانت أو خارجية للأسف لدعم قوى الشر.. وعليه، كنت قد سألت فى الجزء الأول من مقالى بعنوان « ثورة 30 يونيه رائعة.. ولكن!! «مجموعة من الأسئلة للتذكير بما حدث فى الأيام الأولى للثورة، قد تساعدنا لفهم ما نعانيه من تبعات يستثمرها نخبة التلاعب بالعقول، من بينها علامات الاستفهام التالية:هل تم استدعاء الأزهر والكنيسة باعتبارهما من مؤسسات الدولة المركزية، أم لأنهما يمثلان «أتباعهما روحياً» سياسياً؟! كان من المقبول استدعاء رموزنا الدينية لحضور فرح إسقاط نظام خلط فى حكمه الشأن الدينى بالسياسى، لنعلن للعالم أن لدينا مؤسسات دينية توافق على إقامة دولة ديمقراطية معاصرة لا مجال فيها لتداخل رجال الدين ومؤسساتهم فى الشأن السياسى، ولكن أن يتم دعوة الأزهر والكنيسة للمشاركة فى وضع خارطة المستقبل، فالأمر يوحى وكأنهما باتا على الأقل جهات استشارية مهمة وفاعلة فى إدارة البلاد والعباد سياسياً بما يناقض أهداف ثورة 30 يونيه ذاتها، ويؤسس لدعم موقف استبدادى جديد لقيادات تلك المؤسسات، ولا إيه؟! لماذا كانت دعوة حزب «النور» وتردد أن ذات الدعوة وجهت لإخوان الشر والنكد اللى الثورة قامت لإسقاطهم مع كل الأحزاب بمرجعية دينية، هل لغسيل الأيادى والقول بمشاركة كل الأطياف السياسية ؟!... ألم يكن ذلك تعميداً وموافقة على المشاركة من جديد فى حكم البلاد عند فوز أحزابهم بالأغلبية لندور فى أزمنة الخيبة والتعاسة من جديد؟!ماذا عن تمكين الشباب؟!... هل مثلاً لتمكينهم من إعمال آليات الغش عبر مؤسسات التعليم، أم برفض ما طالبوا به من إعمال مواد دستور 2014 عبر مواد الحريات والتعبير عن الرأى؟، أم بتعيين حكومات العواجيز وبعضهم من المنتمين لأنظمة ما قبل ثورة يناير ؟! ماذا عن حكاية وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن، وقد بات حال الإعلام المصرى فى أسوأ وأحط حالاته للأسف الشديد.. يقول نجيب محفوظ فى كتابه «أمام العرش» : فى أثناء المحاكمة التخيلية لعرابى، أمام محكمه التاريخ. يقول عرابى: بذلت أقصى ما لدى فيقول رمسيس الثانى: كان يجب أن تقاتل حتى الموت، بين جنودك ويقول إبنوم: كان يجب أن تقضى على كل أعدائك، لتقضى على الخيانة فى مهدها. وتقول إيزيس: هذا ابنٌ مترع القلب بالنوايا الطيبة، وهب شعبه ما يملك من حب غير محدود وقدرات محدودة، فتآمر الأعداء على تصفية ثورته. إن ما يحدث من حرائق وعمليات إرهابية، ومؤامرات وكوارث إعلامية منحطة، وأخرى طائفية غير مسبوقة فى نوعيتها ودلالاتها فى المنيا والعامرية، ومصائب تشير لحالة انهيار مخيفة فى المنظومة التعليمية، وتزايد وتيرة قضايا الفساد ببجاحة واستقواء برموز لا تستحى ولا تخاف... كل تلك الأمور لا يمكن وجودها بمثل هذه الحالة من الفجر والاحتشاد بالمصادفة، بل هى فى إطار التلاعب بالعقول وتهيئة مناخ قد يخدم من جديد من قامت الثورة بإسقاطهم وتدمير مخططهم فى إقامة إمارة دينية بأمارة تصريح الوزير «العجاتى» عن حديث المصالحة!!