رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنا والدستوروهواك !!


هناك قصة شهيرة لحاخام يهودى وخنازيره العشرة استحضرها دائما فى مثل هذه الأحداث التى نعيشها الآن ،والقصة لمن لايعرفها:

أن مواطنا يهودى إشتكى للحاخام ظلم حكومته وقسوتها عليه عندما تركته يعيش مع أسرته المكونة منه وزوجته وأمّه وحماته وأولاده الستة ، يعنى عشرة أفراد فى غرفة واحدة ...

وهنا أبدى الحاخام تعاطفه الشديد مع المواطن قائلا : -

اذهب إلى غرفتك وستجد حلّا يرضيك ،

وعندما عاد المواطن الغلبان لغرفته وجد خنزيرا يجلس مع أسرته فى غرفته الضيّقة ، فاغتاظ المواطن وعاد محملا بغضبه إلى الحاخام ليجد ابتسامة صفراء فى انتظاره ، وبعد أن أنصت الحاخام باهتمام مبالغ فيه طلب منّه الرجوع إلى أسرته وسيجد الحل فى انتظاره ،

وعندماعاد المواطن الغلبان وجد استضافة خنزير آخرمع أسرته ، فهاج الرجل الطيب ورجع إلى الحاخام ليجد ابتسامة باهتة أكبر فى انتظاره وتكررت الشكوى وتكررالطّلب بالعودة لأسرته ليجد خنزيرا ثالثا فى انتظاره !!

ومابين العودة للحاخام وتكرارالشكوى وإتساع الابتسامة الصفراء الباهتة وزيادتها والطلب بالعودة للغرفة ليجد المواطن فى نهاية اليوم غرفته وقد سكنها عشرة خنازيرمع أفراد أسرته العشرة ، ورائحة لايقدرعلى تحملها كائن حى !!

وهنا تملّك اليأس والإحباط من الرجل الغلبان وجلس يندب حظه لينصحه جارطيب مثله بألا يفقد الأمل ويعود للحاخام ويخبره بالمأساة الكبرى ،

وبين تردد ويأس ،

وأمل وإحباط خضع لنصيحة جاره ولضغوط زوجته و إلحاح أمّه وحماته العجوزتان وصراخ أولاده ونظرات الخنازيرالشامتة فيه ، عاد الرجل محملا بأذيال القرف والمرارة ليجد فى انتظاره أمرا حاسما من الحاخام له بالعودة وسيجد حلا لمشكلته ،

وعاد يقدم رجلا ويؤخرالثانية ليجد تناقص الخنازير إلى تسعة ،

فيكرر رحلة العودة والرجاء ،

وفى كل مرة يتناقص عدد الخنازير حتى إذا أكمل العشرة مرات ليجد الخنازيرالعشرة قد تركت له الغرفة الضيّقة مع بقايا الرائحة الكريهة !!

وفى المرة الأخيرة لم يجد أمامه إلا تقديم الشكر للحاخام على طرد الخنازيرمن غرفته ،

ونسى الغلبان شكواه الأصلية بأن الغرفة أصلا ضيقة ولايمكن لعشرة أفراد أن يسكنوها أبدا !!

هذه القصة أجدها معبرة وموحية لكثيرمن الأحداث التى مررنا بها وأجدها ملائمة الآن وجاهزة للتطبيق ،

فالكل كان يطالب بإلغاء الإعلان غير الدستورى.

لكن صدرت مسودة الدستورالجديد ،

وصدر قرار بالدعوة للاستفتاء عليه يوم 15 ديسمبرالقادم ،

وتم حصار المحكمة الدستورية ... الخ

وتزامنت قرارات وأفعال وصلت إلى حصارقصرالإتحادية وتهديد القضاة بعدم الإشراف على الاستفتاء حتى يتم إلغاء الإعلان غير الدستورى ،مما يستلزم إعلانا غير دستورى جديد بإلغاء الإشراف القضائى على الانتخابات والاستفتاءات كما هدد ولوّح البعض بالاستعانة بأساتذة الجامعات أو المدرسين !!

يعنى باختصار زادت الخنازير إلى 10 فى غرفتنا الضيّقة ،

وضقنا جميعا بهذه الخنازير ،أقصد القرارات والإعلانات والمظاهرات والتلويحات والتهديدات ،

لذلك تبدأ عملية التخفيف علينا بإخراج خنزير كل فترة من غرفتنا الضيّقة ، فقد يلغى الإعلان قبل الاستفتاء بلحظات ،وفى وقت لا يسمح بصدور أحكام قضائية ضد الجمعية التأسيسية للدستور و مجلس الشورى ،

ورغم أن صدور مثل هذه الأحكام الآن قد يعقّد المشهد ويزيد من سخونتها ، سيروّج فى نفس الوقت شائعات ضد المحكمة الدستورية ذاتها بأنها أصدرت أحكامها فى حالة غضب من قضاتها بعد حصارها وبعد الاقتصاص منها وتقليص حقوقها وعدد أعضائها فى مسودة الدستورالجديد . وهو مايتنافى طبعا مع حيدة القضاء !!.

ومع إلغاء الإعلان غير الدستورى قد يعود القضاة للإشراف على الاستفتاء .،

وهكذا سنشعر جميعا بالراحة الوهمية مع إخراج الخنازير، أقصد مع إلغاء بعض القرارات ، وسنشعر جميعا بنشوة الانتصار الوهمى ،وسننسى جميعا أن أصل المشكلة ، الغرفة الضيقة ، لم تحل بعد !!

• سننسى جميعا أن الجمعية إللى كتبت الدستور باطلة ، وبالتالى الناتج عنها باطلا !!

• سننسى جميعا أن فصيلا واحدا استأثر بكتابة الدستور وتجاهل انسحاب غالبية قوى المجتمع المدنية.

• سننسى جميعا أن إخواننا المسيحيين قد انسحبوا غضبا وهم شركاء لنا فى الوطن .

• سننسى جميعا أن المسلمين انقسموا وفرق بينهم هذا الدستور.

• سننسى جميعا أن العمال والفلاحين والنقابات المهنية والأحزاب، ومعهم الثوارمن كل فصيل ولون غضبوا وانسحبوا عندما لم يجدوا أنفسهم فيه !!

• سننسى جميعا أن مشروع الدستور تجاهل الحقوق الاجتماعية والإنسانية والسياسية .

• سننسى جميعا أن مشروع الدستور ألغى إلى الأبد حق التعليم والعلاج المجانى وتوفيرالسكن والعمل لكل المواطنين .

• سننسى جميعا أن مشروع الدستور كبل حرية الرأى والصحافة والإعلام بإطلاق سيف الحبس فى قضايا الرأى والنشر ، وهى حقوق لاتخص الصحفيين والإعلاميين فقط كما يروج البعض مثلما كان يروج نظام مبارك بأن الصحفيين مش على رأسهم ريشة ، لكنها تخص الشعب كله فى إعلام حر من جهة ،ويعرّض أى مواطن للحبس مثلنا إذا أرسل شكوى إلى أى جريدة أو صرخ فى أى برنامج إذاعى أو تليفزيونى ، واعتبرالمسؤول الشكوى سبا وقذفا فى ذاته العليا أو إفشاء لأسرارالدولة العليا أو تحضّ على الكراهية !!

• سننسى جميعا أن عقابا جماعيا سيكون فى انتظار الآف الأسر إذا أخطأ أحد الصحفيين أو الإعلاميين فى جريدتهم وصدرحكما بإغلاق الجريدة أو القناة ، يعنى قد تكون الجريمة فردية من وجهة نطر واضعى الدستورالجديد لكن العقوبة ستكون جماعية ، يعنى السيئة ح تخص وتعم فى آن واحد ، وهو مايخالف أى دستورعلى سطح الأرض.

• سننسى جميعا أن الدستور الجديد أعطى أدوارا وخلودا لمجلس شورى يطالب الشعب صاحب الحق الأصيل بإلغاءه ،بدليل أن حوالى 6% فقط انتخبوه ،بما يعنى أن 94% من الشعب غير راض عن استمراره.

• سننسى جميعا أن دستورا تم التصويت عليه وتمريره بليل لاينفع أن يعيش بيننا مع طلوع النهار وسطوع شمس الحقيقة ، لأن دساتير الليل المكتوبة بزبدة إذا طلع عليها النهارستسيح ، فما بالكم إذا كانت زبدة مغشوشة ومطعون فى صحتها ، يعنى باطلة !!

• أخيرا أنا لا أفهم لماذا الإصرار على إصدار دستور لم يحدث حوله توافق وطنى ، ولماذا الإصرار على التعامل مع الناس كما نتعامل مع بعضنا فى ميكروباص أو قطار بأن من يجلس بجوارنا قد لاتقابله مرة أخرى !

• لماذا لاتصدقوا أيها السادة أن الشعب الآن يلتقى فى ميدان التحرير وميادين التحرير فى المحافظات اليوم وغدا كما إلتقى بالأمس ، ولايقدرعليه إلا من يلبّى أوامره ، لأن الشعب إذا أمر لابد أن يستجيب القدر ، والقدر هنا هم حكامنا وحكومتنا !!!

هامش

الحكومة فعلت وقلّدت الجمعية التأسيسية بإصدارها قرارا بزيادة أسعار الكهرباء فى الزحمة ، الحكومة ظنت أن القرار سيضيع فى زحمة الإعلان غيرالدستورى والدستوروالاستفتاء ، نفس منطق سائق الميكروباص أو التاكسى الذى يظن أنه لن يلتقى بالراكب مرة أخرى فيحاول نشله ، أقصد استغلاله ،

أيتها الحكومة الطيبة الشعب حيخلص مهمته فى التحرير ثم يتفرغ للنظر فى سواد عيونك !!

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.