رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فضيلة الاعتراف بالخطأ!


يبدو أننا نفتقر إلى شجاعة الاعتراف بالخطأ، ربما عن عناد، وربما عن تفادى لنتائج الاعتراف، حيث إن الاعتراف سيد الأدلة، وبالتالى فإن الاعتراف يتبعه توقيع العقوبة، وكثيراً ما كانت العقوبات المصرية عبر التاريخ عنيفة، ويكفى أن نتذكر عقوبة فرعون للسحرة فى يوم الزينة، فقد قرر أن يصلبهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وطبعاً لا أحد يريد ذلك، لكن العناد لا يعفى عادة من العقوبة. طبعاً تمر مصرنا بفترة غلب عليها الجدل، وانقسم فيها الرأى العام بدرجة كبيرة، وفيها جانبان يدعى كل منهما الحقيقة، لكن أحدهم يتمسك بالقانون وبتفسيره من الجهة المنوطة بها، بينما يتمسك الطرف الآخر بأن القانون يمنع الطرف الآخر من هذا التصرف، وهكذا فإن ما حدث جريمة كبيرة ليست فى حق شخص وإنما فى حق مهنة وكل من ينتمى إليها، ويرفض فى الوقت نفسه أن يعترف بأنه ارتكب جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، هكذا يتمسك بعض أفراد المهنة بمطالبهم التى لا تجد لها سنداً من الدستور ولا قانون العقوبات ولا قانون النقابة، ويهددون بالامتناع عن العمل وكأن المجتمع سينهار فى حال امتناعهم، خاصة وقد أصبح هناك من يقوم بعملهم بوسائل أخرى.

زاد الطين بلة أن تتجه بعض المهن أن تنتهز الفرصة لتدلى بدلوها فى الدلاء على أمل أن تكون أكثر تأثيراً من محاولاتهم السابقة والفاشلة، والكل يحاول أن يحول الأزمة من أزمة قانونية إلى أزمة سياسية. هكذا نجد أنفسنا فى أزمة وأبناءنا، ليس كلهم، تسوقهم أهواؤهم فى مواجهة الدعايات والبيانات الصادرة من هنا ومن هناك. فى رأيى أن كل أزمة لها وجهها القانونى، ولذا يجب على الجميع أن يلجأوا أولاً إلى القانون لتحديد المخطئ، وأن يعترف المخطئ بالخطأ، وألا يكون ذلك يعنى آخر الدنيا، حيث إن الجميع معرض للخطأ، وليس هناك من هو معصوم منه، وإن الخطأ أثناء الممارسة أمر وارد، ويجب ألا يكون ذلك مبرراً للبطش، وعلى الرؤساء أن يراعوا تطبيق ذلك، بحيث لا يكون الخطأ عن غير قصد مبرراً للبطش بشخص أى شخص، وربما كان هذا هو السبب فى فرص يوفرها القانون لمن وقع فى الخطأ مثل الإفراج تحت شرط، ورد الاعتبار، والحكم مع إيقاف التنفيذ. وفى تصورى أن معالجة الأزمة الحالية يجب أن تعود إلى القانون: قانون العقوبات أولاً، وقانون العقوبة ثانياً، حيث أشك أصلاً فى أن الموضوع يتعلق بقانون النقابة فليس فى الأمر ما يتعلق لا بالنقابة ولا بحرية الرأى أو بالنشر وحريته، وهناك محاولة للخلط بين العضو النقابى والنقابة، وبين النقابة ومبنى النقابة بما فيه سلم النقابة.

هناك وجهة نظر أخرى فهناك من يتذرع بأن هناك حالات لم ينفذ فيها القانون، بينما يرى آخرون أن تنفيذ القانون لم يؤد إلى معاقبة المتهم وهو بذلك يرى مبرراً لتجاهل القانون. هذه النقطة خطيرة ولكنها لا تشكل مبرراً لتجاهل القانون، فتجاهل القانون يعنى أن نتحول إلى فوضى الله وحده يعلم نتائجها، ويصبح قانون الغابة هو السائد ويفقد الجميع الثقة فى كل شىء وينتهى بنا إلى ما لا يحمد عقباه. هنا يصبح من واجب السلطة التنفيذية أن تراجع حالات التعامل بمعايير مختلفة أو ما يقوله المثل العامى: «الخيار والفاقوس» أو«الكوسة» والأسماء كثيرة بما يدل على ترسخ هذا الوضع فى تاريخنا. هنا يجب العمل على أن يعود الحق إلى صاحبه، كما يجب محاسبة المخطئ طالما ما زالت هناك فرصة قانونية لمحاسبته.

أخشى أن تنطبق حالة الاعتراف بالخطأ على بعض ما يجرى فى قضايا التنمية فلا شك أن الإجراءات التنفيذية جرت، وتجرى بسرعة كبيرة بحيث يجرى تنفيذ المشروعات فى زمن قياسى بالنسبة للإجراءات البيروقراطية، وغالباً دون التعرض لأسباب الفساد المصاحبة للإجراءات لكن الإجراءات وضعت لضمان صحة الإجراءات، ولإجراء دراسات الجدوى لضمان جدية المشروع، لذا أرجو أولاً أن تكون هناك دراسة جدوى موثوق بها، وأن تكون هناك ضمانات ألا تتحول المزايا التى توفرها التسهيلات التى تقدمها الدولة على مزايا تتوافر لأصحاب العلاقات وأصحاب الأموال الذين ليسوا فى حاجة لهذه المزايا، خاصة إذا كانت الأمور تتعلق بمشروعات تنمية سيناء بحيث تستغلها قوى معادية، وإلا فقد نجد أنفسنا فى مواجهة موقف مشابه لما حدث فى فلسطين، وأنا واثق من كل من القيادة السياسية والعسكرية ولكن وجبت التذكرة، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.