رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعاون الدفاعى.. والتدريبات المشتركة


لا شك أن المتابع لأخبار القوات المسلحة المصرية والعلاقات العسكرية المصرية لابد وأن يلاحظ كثافة العلاقات العسكرية المصرية سواء تمثل ذلك فى اجتماعات مع وزراء دول الساحل والصحراء الذى شاركت فيه 27 دولة أفريقية بالإضافة إلى خمس دول أوروبية هى فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وقبرص، أو فى المناورات البحرية «تحية النسر» والتى شاركت فيها مصر إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة بقواتها البحرية، وكانت القوات قد أنهت للتو التدريبات المشتركة «رعد الشمال» والتى شاركت فيها القوات المصرية ضمن تجمع قوات من نحو عشرين دولة عربية وإسلامية، هذا بالإضافة لاستقبال وزراء دفاع ورؤساء أركان دول أفريقية وآسيوية مما يعطى انطباعاً بعلاقات عسكرية كثيفة عميقة، ولابد أن تثير أسئلة عند البعض عن مدى جدوى هذه الأنشطة، وما إذا كانت مصر تتحمل أعباء عسكرية قد يرى البعض أنها غير مبررة.

قد يكون من المناسب أن نتذكر معاً أن مصر قد سبق وأن اقترحت إنشاء قوة عربية مشتركة، وأن مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة انعقد فى شرم الشيخ فى نهاية مارس 2015 ووافق على الاقتراح ولكن تنفيذه قد تعطل بعد أن طلبت المملكة العربية السعودية تأجيل الاجتماع المخصص لمناقشة البروتوكول الخاص بإنشاء القوة بحيث لم يصدق عليه حتى الآن، ولا يبدو أن هناك أفقاً للتصديق. هنا نتذكر أن تجمع دول الساحل والصحراء قد أنشئ بناء على اقتراح الزعيم الراحل معمر القذافى، وأنه كان قد اتجه إلى أفريقيا بعد أن يئس من إقامة تجمع عربى، وأن هناك من يشكك الآن فى جدوى تجمعات أفريقية، وهو أمر يجب أن يوضع فى الاعتبار عند التوجه إلى أفريقيا إلا أنه يمكن القول باطمئنان أن الأفارقة أكثر التزاماً بقراراتهم من الدول العربية، وهى حقيقة مؤسفة لكن يجب وضعها فى الاعتبار.

أعود لأقول إن كثافة العلاقات العسكرية المصرية تعكس واقعاً مؤداه أن أمن مصر مرتبط بأمن الدول المحيطة، ليس فقط على أمن دول الجوار بل وعلى أمن دول التخوم أيضاً، وحينما نتحدث عن دول التخوم فنحن نقصد الدول جيران الجيران، وربما أبعد من ذلك، وأن هذا يبدو أكثر وضوحاً عندما تكون التهديدات المتوقعة والمحتملة هى تهديدات إرهابية وأن هذه التهديدات تتميز بأنها تعتمد على مجموعات صغيرة من الأفراد، ولكنها تستطيع أن تحدث خسائر كبيرة، وأن هؤلاء الأفراد يجدون فرصة لارتكابهم جرائمهم الإرهابية والانتقال بسرعة عبر الحدود إلى دول أخرى قد تشعر بأنها بأمان من أخطار الإرهاب، والتى رغم كل الأدلة لم تنجح فى أن تقنعهم بأن خطر الإرهاب لا يقتصر على مكان ولا على هدف وأن جزءاً كبيراً من عملية مكافحة الإرهاب تعتمد على الحصول على المعلومات مسبقاً قبل ارتكاب الجريمة، وعلى السيطرة على الحدود وعلى الاستخدام الذكى للتكنولوجيا، ولا شك أن التعاون بين الدول على المستويات المختلفة يمكن أن يلعب دوراً مهماً وأنه يمكنه أن يحقق الكثير إذا أحسن تنظيم التعاون بين الدول، وطبعاً يفترض أن يكون هذا التعاون أساساً بين الدول العربية، ثم بين الدول الأفريقية، ثم على المستوى الدولى إلا أننا للأسف لا نجد تعاوناً على المستوى العربى وإن كنا لا نيأس من إمكان تحقيقه. ونعتبر التدريب المشترك بين قوات عربية خطوات إيجابية طالما افتقدناها فى مراحل سابقة.

لا يعتبر التدريب المشترك تنظيماً للتعاون بين المشتركين فيه وإن كان يشكل خطوات مهمة فى سبيل التعاون، حيث إن التعاون يقوم على أساس نوع من الاتفاقيات على هيئة معاهدة أو اتفاقية، أو مذكرة تفاهم على الأقل لذا فإننى أؤكد أن مناورات «رعد الشمال» بما اشتملت عليه لا تعنى التحالف ولا أساس كافٍ للتعاون بين الدول التى شاركت فيه، وإن كان قد أدى بلا شك إلى تبادل المعلومات والخبرات بين القوات المشتركة، كما أدت إلى القدرة على تنفيذ مهمة قتالية مشتركة، من حيث وسائل الاتصال ووثائق السيطرة، لكن يجب ألا ننسى أن العمل العسكرى بما فيه الدفاع يحتاج إلى سياسة متفق عليها تحدد الهدف السياسى والسياسى العسكرى والهدف الاستراتيجى، ويتطلب إعداداً مسبقاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ومعنوياً وإعداداً لأراضى الدولة كمسرح للعمليات وهو ما لا يتوافر فى الوقت الحالى على الأقل. يبقى أن أشير إلى أن وجود دول أوروبية فى اجتماع وزراء دفاع دول الساحل والصحراء، وكذا وجود الولايات المتحدة فى مناورات «تحية النسر» فد تكون مفيدة لكنها ضارة أيضاً لذلك يجب ملاحظتها بحذر.