رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحريات الدينية فى عالم متعدد الديانات


العالم يتجه فى غالبيته إلى الديمقراطية، وتعريف الديمقراطية هى حكم الشعب بالشعب، أى أن الشعب يحكم نفسه بنفسه، ولما كان ذلك الأمر من الصعوبة بحال تطبيقه على أرض الواقع فإن الشعب يختار بإرادته من ينوبون عنه، والديمقراطية تعبير سياسى يترجم الحرية التى بدورها تتواءم مع الديمقراطية، وهناك مفهوم خاطئ للديمقراطية دعمته الأنظمة الحاكمة فى العديد من الدول التى مازالت تحكمها حكومات ملكية وراثية يحكم فيها الفرد متوارثاً لعرش بلاده...

...وهو الحاكم الفرد الذى تكون حكومته مجرد خدم فى الحاشية الملكية، وفى الدول العريقة ديمقراطيا فإن العرش الملكى الذى يتوارثه أبناء وبنات الأسرة فإنهم كملوك يملكون لا يحكمون، والحكم عندهم بواسطة رئيس أو رئيسة للحكومة كما فى إنجلترا وعدد من الدول الأخرى.

والملاحظ أن الدول التى انتقلت من حكم الملوك كأفراد فى أسرة إلى نظام جمهورى، كما فى بعض الدول العربية مثل مصر وليبيا والعراق وسوريا، فالواقع يقول إن التغيير لم يكن على أرض الواقع إلا مسمى، حيث لم نر فى هذه الدول رئيساً سابقاً كما فى البلدان المتقدمة ديمقراطياً، ففى أمريكا العديد من رؤساء سابقين بعضهم لم يحكم إلا لأربع سنوات، أى دورة واحدة، والمثالالحاضر فى الأذهان الرئيس جيمى كارتر الذى قضى أربع سنوات، أى دورة واحدة، ولم نسمع أنه غضب من الشعب، بل له كل الاحترام، وهو يقوم بخدمات إنسانية وسياسية عالمية، ورأيناه مشاركاً للمصريين فى الكثير من المواقف، ولم يغضب من شعبه أنهم لم يختاروه لدورة ثانية. والحرية تبدأ من تحرير العقول واحترام التفكير، فالله لم يجبر البشر حتى على عبادته وإلا ما تعددت الديانات والثقافات، وكشرقيين تميزنا بأول من شرف ببداية الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، وقد نظن أننا أكثر البشر عدداً، فاليهود لم يتعدوا خمسة عشر مليوناً فى العالم كله الذى بلغ سبعة مليارات نسمة، إلا أن أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاثة لا تتجاوز نسبتهم أربعة وخمسين فى المائة إلا قليلاً، بينما يبلغ عدد أتباع بوذا ثلاثمائة وخمس وستون نسمة فى الصين، وتسعة فى المائة من الشعب الصينى لهم دياناتهم الشعبية كما فى بعض بلدان فى أفريقيا. أما الملاحظة التى يجب التوقف عندها فهى الربط بين الدول التى تتدنى فيها نسبة الديمقراطية تلاحظ فيها تدنى مؤشر الحريات رغم تمسكها الشديد بالجانب الدينى الذى يصل الى حد التقاتل والقطيعة كما حدث فى المسيحية بين الأرثوذكس والكاثوليك، وبين الكاثوليك والبروتستانت، وكذلك بالنسبة لتوترالعلاقات بين مسلمى السنة ومسلمى الشيعة.

صحيح أن خطوة جريئة اتخذها كل من بابا روما وبطريرك روسيا فى لقائهما فى نقطة تتوسط العالم، حيث التقى ببطريرك روسيا البابا فرنسيس- رئيس الكنيسة الكاثوليكية- والذى بلغ تعدادها فى العالم مليارا ومائتى مليون، أى بنسبة تزيد على سبعة عشر فى المائة من جملة عدد سكان العالم، كما يشكل الكاثوليك أغلبية السكان فى سبع وستين دولة. كما أن المسلمين فى العالم نحو مليار واثنين من عشرة، وبنسبة ثلاثة وعشرين واثنين من عشرة من جملة سكان العالم، وقرابة نصف سكان العالم لا يتبعون أياً من الديانات الثلاث الشرق أوسطية كما يسمونها باعتبار أن بدايتها من الشرق، وإن كانت قد وصلت الى كل بلاد العالم. أما ما يجب الإشارة إليه فهو ارتباط التقدم فى كل مناحى الحياة بالحرية والتقدم فى العلوم والفنون والاختراعات حتى وصلوا الى القمر، ولا يزالوا يخططون لزيارة أخرى ستفاجئ العالم بكل ما هو جديد. لقد بدأت الولايات المتحدة سياسياً بلائحة الحقوق التى تبدأ بحقوق أولها التعبير، ثم الدين، وحرية حمل السلاح، وحق التقاضى، وحق التمتع بالسلم واللاعنف، وشملت الإعلانات الدستورية إقرار هذه الحقوق وألحقت بالدستور حتى تكون لها قوة الدستور. أعود الى الحريات الدينية، فطبيعة الديانة أن تهذب الإنسان وتغير من طباعه وتعدل من أولوياته حتى إنها يعبر عنها فى المسيحية بالولادة من جديد، أى أن الانسان البعيد عن الله يظل أنانياً بطبعه، حتى الاطفال يميلون للعنف والأنانية وحب التملك لكل شىء، أما التأثير الروحى النابع من تعاليم ربانية عاشتها أجيال عديدة وسجلوا التغيير الحادث لهم، مع الفارق الكبير بين معرفة الله معرفة الطاعة والعبادة، ورفض الشر وحب الخير والعطف على المحتاج مادياً ونفسياً، فالفرق كبير بين ما ولد به المرء من أنانية الذات والاستحواذ إلى حب الخير والعطاء والسخاء وحب الأوطان والتسامح وحسن تربية النشء حتى تذوب الخلافات ويحل الحب والعطاء بديلاً عن الكراهية والأنانية والاعتداء على الغير.

ويبقى السؤال: هل هناك فرق بين الحرية والتحرير؟ والجواب بالطبع نعم، فالحرية مسيرة حياة البشر، فكل إنسان حر فى مأكله ومشربه وتعبيره كما تربى وكما تعلم من البيت والمدرسة ودار العبادة، أما التحرير فهو عمل تقوم به الحكومات، فالبلدان التى عانت الاحتلال والاستعمار فى حقبات تاريخية كان لا بد للحكومة المسئولة أن تحرر أوطانها من كل أشكال التبعية والاحتلال حتى أنها تقيم احتفالات وأعياد لتاريخ التحرير الذى تضمنه الحكومات والجيوش، فتحمى حدودها من أى اعتداء على أراضيها، وبالتحرير يستمتع المواطنون بحريتهم فيعيشوا أحراراً.

أما الحكومات الديكتاتورية المقيدة لحريات شعوبها فهى تستبدل المحتل الأجنبى بمحتل آخر صناعة محلية، أو تختلق أزمات عدوانية مع دول مجاورة حتى تسكت أصوات المطالبين بالحرية، والشعارات تقول لا صوت يعلو على صوت المعارك إلا خطر تلك الحقبة، أو حقبات عشناها وخرست الأصوات من أجل التحرير، وجاء الوقت لنستمتع معاً بطعم الحرية التى لا تعرف التهديد والوعيد وسيف السلطان، فقد خلقنا الله أحراراً ، ولم يرغمنا حتى بعبادته قهراً، فالخالق ليس فى حاجة إلى خليقته، إنما نحن الذين نتوق إليه، ونرى أن عبادتنا ليست إلا حرية مجد لا يزول حتى نردد مع محبى الله «إنى أحب الرب لا لأربح النعيم ولا لكى أنجو من العذاب فى الجحيم، لكن أحبه لأن لى حبه يحلو وهو الذى من فضله أحبنى قبل أن أوجد. تلك هى إرادة الخالق الذى خلق الانسان ومَيَّزَه بالعقل المفكر، وبالقلب المحب، وبالروح التواقة إليه.